الكوكب الأحمر.. فرصة للعيش على سطحه.. هل كنت تتوقع ذلك؟
كتبت : ندى علاء
هل كنت تتوقع أن تترك كوكب الأرض يوما من الأيام وتتجه إلى كوكب المريخ لتعيش هناك؟ وهل فكرت سابقا في إمكانية حدوث ذلك؟
تشير بعض الأدلة التي تم اكتشافها على كوكب المريخ مثل وجود المياه الجليدية، إلى احتمالية وجود حياة سابقة على كوكب المريخ مع إمكانية العيش مرة أخرى عليه.
فضلا عن البحيرات وقنوات الأنهار والصخور المتغيرة التي تم اكتشافها نتيجة لوجود المياه، والتي تشير إلى أن كوكب المريخ كان أكثر مكان دافئ منذ مليارات السنين.
لكنه فقد غلافه الجوي منذ أكثر من 3 مليار عام، لسبب غير معروف حتى الآن، مما أدى لانتهاء فترة الرطوبة على الكوكب.
وبالرغم من كثرة كمية المياه الجليدية القطبية على الكوكب، يعتقد علماء الفضاء أن تلك الكمية ليست فقط الموجودة على كوكب المريخ، بل هي أكبر بكثير من ذلك.
دعنا نأخذ جولة سريعة من “كوكب المعرفة” إلى كوكب المريخ وأهم اكتشافاته وتكويناته وأيضا مستقبله.
أحدث المهمات على كوكب المريخ
- في فبراير 2021، سجلت الإمارات أول نجاحا عربيا في إرسال مهمة إلى المريخ، حيث نجح “مسبار الأمل” أو “مسبار المثابرة” في دخول مدار الكوكب الأحمر، فتكون تصدرت دولة الإمارات بذلك خامس دولة تدخل الفضاء بعد الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والهند والاتحاد السوفيتي.
وكان يراقب مسبار الأمل كيف تتسرب الذرات المحايدة من الهيدروجين والأكسجين وبقايا المياه الوفيرة من المريخ إلى الفضاء، وكان يتحرك المسبار بسرعة تزيد على 120 ألف كيلومتر في الساعة، وحينها احتفلت الإمارات بتلك المهمة وأضاءت المعالم العامة والمباني والمواقع التراثية باللون الأحمر نسبة للكوكب الأحمر.
- وفي مايو 2021، أعلنت وسائل إعلام حكومية صينية أن مركبة فضائية هبطت بنجاح على سطح المريخ، وكانت تلك المركبة هي الروبوت الذي يدعى “زورونغ“، وكان مزود بست عجلات واستهدف الهبوط في منطقة “يوتوبيا بلانيتيا” Utopia Planitia، وهي منطقة شاسعة في نصف الشمالي للمريخ.
والتقط الروبوت صورا عالية الدقة لتحديد المكان الأكثر أمانا للهبوط، والذي كان هدفه اختيار مكان خالي من الحفر الكبيرة بحيث لا تغطي الصخور الكبيرة المنظر الطبيعي حول الروبوت.
حياة سابقة على كوكب المريخ.. اكتشافات المياه على سطح الكوكب الأحمر
في وقت سابق، كشفت وكالة ناسا عم بحث جديد يشير إلى وجود أدلة لخزان مياه جوفي على سطح كوكب المريخ، وقدر بعض العلماء أن هناك ما يكفي من الماء في الشقوق الصغيرة والمسام الصخرية في قشرة المريخ والتي تكفي لملئ محيطات على سطح الكوكب، بحيث يصل منسوبها إلى 1.6 كيلومتر.
وتقع هذه المياه على عمق من 11.5 و 20 كيلومتر تحت سطح الكوكب، مما بجعل اكتشافها صعب لرواد الفضاء.
كما كشف مسح راداري لمنطقة تكوين Medusae Fossae على خط الاستواء للمريخ، والذي يتبين منه ألواح عملاقة جليدية من الماء مدفونة، ويبلغ سمكها عدد كبير من الكيلومترات، وهي من أكبر كميات المياه التي عثر عليها على سطح الكوكب الأحمر.
ويقول العلماء إن كمية المياه المدفونة على سطح المريخ تعادل ما يمكن العثور عليه في البحر الأحمر على كوكب الأرض، وأكد الجيولوجي توماس واترز، من معهد سميثسونيان، أن تلك الرواسب الجليدية يصل سمكها إلى 3.7 كيلومتر.
وجود حياة ميكروبية سابقة
وفي وقت من الأوقات، عثرت المركبة الجوالة “بيرسيفيرانس” التابعة لوكالة ناسا، على صخرة تحمل شكل رأس السهم والتي يمكن أن تدل على وجود حياة على كوكب المريخ منذ مليارات السنين، ويبلغ طولها نحو متر.
وأوضحت ناسا، أن تلك الصخرة اكتشفت في فوهة جيزيرو على سطح المريخ، وذكر عالم المشروع كين فارلي، أن تلك الصخرة هي الأكثر أهمية وتعقيدا عن غيرها من الأخرين على المريخ.
وذكر كين فارلي أن الصخرة أظهرت بقعا ملونة مميزة تشير إلى تفاعلات كيميائية، والتي يمكن أن تستخدمها الحياة الميكروبية كمصدر للطاقة، وهذا يعد دليل واضح على أن الماء مر عبر هذا الصخر سابقا.
وتستمر ناسا في التخطيط لأخذ عينة من تلك الصخرة لدراستها على كوكب الأرض، واكتشاف ما إذا كانت هذه البصمات الكيميائية التي تتميز بها ناتجة عن نشاط بيولوجي سابق.
وكانت قد نشرت جريدة Daily Mail أن وكالة ناسا عثرت على آثار على كوكب المريخ ل”غاز” والذي يمكن أن يكون علامة على وجود حياة على سطح الكوكب، وحددت ناسا أن هذا الغاز تنتجه كائنات حية موجودة على الأرض وهو الشئ الذي حير العلماء حول ما يمكن أن يكون مختبئ في كوكب المريخ.
واكتشف روبوت ناسا المدعو “كوريسوتي روفر” تدفقاً من غاز الميثان قادم من فوهة بركان “جالي كريتر”، ويعتقد العلماء أن مصدر الغاز يأتي من أعماق الكوكب، ولا تزال ناسا غير متأكدة من وجود كائنات حية على السطح أم لا.
فيما يذكر الفريق البحثي أن غاز الميثان يمكن أن يكون مغلفاً تحت الملح المتصلب ولا يتسرب إلا عندما ترتفع درجات الحرارة على المريخ، أو عندما تتدحرج المركبة فوق القشرة وتشققها.
وأن هذا الغاز المكون من ذرة كربون واحدة وأربع ذرات هيدروجين، يكون علامة على الحياة حيث إنه غاز تنتجه الحيوانات أثناء هضم الطعام.
لكن المركبة كيوريوسيتي لم ترصد أي حيوانات على سطح المريخ، وهو ما جعل العلماء في حيرة ووضعوا افتراضا بوجود كائنات فضائية على الكوكب وهذا الغاز ناتج عنهم.
الاكتشافات الجيولوجية على كوكب المريخ
يمتاز كوكب المريخ بعدد من المكونات الجيولوجية، فيعتبر الكوكب الأحمر هو أكبر موطن للبراكين في النظام الشمسي، بامتلاكه أكبر بركان وهو أوليمبوس مونس والذي يبلغ ارتفاعه حوالي ثلاثة أضعاف ارتفاع جبل إيفرست.
كما يتميز المريخ بوجود وديان عميقة جدا تشير إلى وجود نشاط مائي في الماضي، كما تغطي الفوهات الناتجة عن اصطدام النيازك سطح المريخ مما يعطي الكوكب مظهراً مرقطاً.
ويتميز المريخ بالقطبان الجليديان، وهما جليد الماء وجليد ثاني أكسيد الكربون.
وتم اكتشاف جزيئات عضوية معقدة على سطح المريخ، والتي تعد الأساس لأي حياة، والتي يمكن أن تكون ناتج عمليات بيولوجية.
استعمار المريخ
تحديات إرسال البشر للمريخ
إن كنت قد تحمست لزيارة كوكب المريخ والعيش فيه بعد معرفتك أن هناك احتمالية لوجود حياة سابقة كما ذكرنا، فتجربة العيش في المريخ أو حتى زيارته تسودها الكثير من التحديات، ومن تلك التحديات:
- جاذبية المريخ ضعيفة ومستوى الإشعاعات فيه مرتفع
تقل جاذبية كوكب المريخ كثيرا عن كوكب الأرض، فتكون 35٪ فقط من جاذبية الأرض، وذلك بسبب حجم الكوكب وكتلته ومع تكيف الإنسان مع الجاذبية الأرضية، فإن اخفاضها يسبب مشاكل صحية مثل هشاشة في العظام والعضلات.
والغلاف الجوي لكوكب المريخ ضعيف جدا مع عدم وجود مجال مغناطيسي، مما يرفع من نسبة الإشعاعات بشكل كبير وتعرض الإنسان لها يصيبه بمرض السرطان، فلابد حينها من إيجاد وسيلة تحميه من تلك الإشعاعات.
- عدم التنقل فيه بحرية
يعد مناخ كوكب المريخ مناخ غير مستقر، فهو صاحب مناخ غاية في البرودة خصوصا ليلا، فضلا عن فصل الشتاء، كما يصاحب المناخ البارد عواصف رملية تمتد فترات طويلة، وتهديد تلك العواصف ليس في سرعتها لكنها تحجب أشعة الشمس لفترة طويلة مما يمنع إنتاج الطاقة من اللوائح الشمسية، والتي تمثل تحدي كبير لأي بعثة بشرية على كوكب المريخ.
وبسبب ضعف الغلاف الجوي، لا يمكن الهبوط على سطح المريخ دون ملابس الفضاء المناسبة التي توفر الحماية والضغط اللازم، مما يعيق من الحركة.
- السطح لا يناسب بل قاع الكوكب
يتعرض سطح كوكب المريخ إلى نسبة عالية من الإشعاعات الشمسية والفضائية والتي تجعل التجول فيه خطر والحياة عليه مستحيلة، لكن تحت سطح الكوكب الأمر مختلف، فمع اشتعال البراكين على سطح الكوكب والتي كان حجمها كبير جدا، كان تحت سطح المريخ أنفاق طبيعية تمثل حاجز حماية للبشر من الإشعاعات والمناخ المتقلب والعواصف الرملية، فيتيح قاع سطح المريخ حياة أكثر أمنا للبشر.
- وجود الماء بوفرة
يتميز المريخ بوجود قطبان جليدان يحويان كميات كبيرة من الجليد والذي لو أذيب سيغطي مساحات كبيرة من الكوكب، والتي يمكن أن تصل إلى كمية المحيطات على كوكب الأرض، فضلا عن وجود كمية هائلة من المياه المتجمدة تحت سطح المريخ أيضا.
وتجعل كمية المياه تلك فرصة الحياة على المريخ بسبب تسهيل عملية الزراعة وتوفير المواد الغذائية اللازمة للحياة، لكن النباتات تحتاج إلى النيتروجين، والذي يشكل نسبة 2.7% من مناخ المريخ.
- عدم توفر الأوكسجين الكافي
يشكل الأوكسجين 0.13 % فقط من مناخ كوكب المريخ، وهي نسبة ضئيلة لا تكفي، لكن يمكن استخراج الأوكسجين من مصدرين على كوكب المريخ، هما ثاني أوكسيد الكربون من خلال فصله كيميائيا، ويمكن استخراجه من الماء لاحتوائها على أوكسجين وهيدروجين.
فرص إرسال البشر للمريخ
كشفت البعثات الفضائية الأخيرة لوكالة ناسا عن أدلة لإمكانية جعل كوكب المريخ صالح للسكن البشري مستقبلا، بسبب اكتشاف المياه السائلة التي تدعم الحياة تحت سطح المريخ بعيدا عن إشعاعات الشمس الضارة.
وتحاول ناسا أن تجهز لإرسال البشر في مهمات للمريخ، لاكتشافه في مهمات مؤقتة وأيضا للعيش عليه، وبالفعل بدأت الوكالة في التحضير وأعلنت عن حاجتها لمتطوعين لتلك التجربة بمواصفات معينة.
وسمت ناسا تلك التجربة ب “تشابيا” (CHAPEA)، وهي اختصار لـ(Crew Health and Performance Exploration Analog)، وفيها يعيش طاقم مكون من 4 أفراد لمدة سنة كاملة في مكان مغلق مساحته حوالي 160 مترا مربعا، لتدرس الوكالة نمط الحياة في المكان لمدة عام.
وعلى مستوى آخر، أعدت وكالة “ناسا” للجمهور فرصة لإرسال أسمائهم إلى الكوكب الأحمر، عن طريق حفر أسمائهم على رقائق تنقلها مركبة للمريخ، وبذلك يحصل الجمهور على بطاقة صعود تذكارية خاصة بهم.
التكنولوجيا الحديثة لدراسة كوكب المريخ
مع التطور التكنولوجي وظهور الذكاء الاصطناعي والروبوتات، تكثر التكنولوجيا الجديدة التي يمكن أن تستخدم لاكتشاف المريخ، ومن تلك الأدوات:
- المركبات الجوالة ذاتية القيادة، والتي يتم تجهيزها بقدرات ذاتية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، لتحديد مساراتها واتخاذ القرارات بشكل مستقل في بيئة غير معروفة.
- الروبوتات المتخصصة، والتي تطورت كروبوتات صغيرة تصبح قادرة على الوصول لمناطق يصعب الوصول إليها بالمركبات الكبيرة مثل الكهوف والشقوق.
- معالجة البيانات في الوقت الفعلي باستخدام الذكاء الاصطناعي، والتي يتم جمعها من أجهزة الاستشعار الموجودة على المركبات الفضائية، مما يسمح بالكشف عن الأنماط والاتجاهات المهمة بشكل أسرع.
- التحكم عن بعد بالروبوتات والذكاء الاصطناعي، من كوكب الأرض، مما يتيح لهم إجراء التجارب والاكتشافات العلمية بشكل تفاعلي.
تأثير الاكتشافات على فهمنا للنظام الشمسي
تسهم الاكتشافات التي تظهر بين كل حين حول النظام الشمسي بما فيه من كواكب في فهمنا للنظام الشمسي من حولنا، ويزيد من وعينا بمعرفتنا عن المجرة التي ننتمي إليها، ونعلم بوجود الكواكب المحيطة بنا وليس فقط كوكب الأرض الذي نعيش عليه.
وتلك الكواكب التي نكتشف عنها الكثير يمكن أن يكون بها الكثير من البشر في وقت سابق قد يبلغ مليارات السنوات، مما يزيد من معرفتنا ومعلوماتنا أكثر بكثير عن المناهج الدراسية التي تقدم معلومات بدائية فقط والتي تثير فضولنا.
الاكتشافات العربية في كوكب المريخ
أطلقت الإمارات العربية المتحدة مسبارا في أول مهمة عربية إلى المريخ، بعد إخفاق محاولتين متتاليين، لمسبار الأمل وذلك لدراسة الطقس والمناخ في المريخ، فوصل المسبار في فبراير 2021 بالتزامن مع الذكرى الخمسين لبناء الإمارات، وذلك في محاولة منها لصنع نجاحا في مجال الفضاء يشبه الولايات المتحدة وأوروبا والهند.
ويعتبر مسبار الأمل إلى حد كبير وسيلة للإلهام، والأمر الذي يجذب الكثير من الشباب في المنطقة العربية والإمارات على العلوم في المراحل التعليمية المختلفة.
وختاما، وبعد معرفتنا عن أهم ما يتميز به الكوكب الأحمر من مكونات واكتشافات جيولوجية، وعن إمكانية العيش على الكوكب الأحمر.
أخبرنا هل كنت تعتقد أنك في يوما من الأيام تغادر كوكبك التي تعيش فيه عمرك كله، وليس فقط مدينتك أو محافظتك أو بلدك التي تعيش فيها؟
تخيل معنا بكل ما ذكرناه من صفات لكوكب المريخ، كيف ستصبح الحياة هناك؟ وهل بالفعل إن سافرنا للمريخ هل سنتكيف معه أم سنحب العودة لكوكبنا الأخضر؟
أخبرنا برأيك في هذا الموضوع واطرح علينا وجهة نظرك، حتى نستفيد منك كما أفدناك في هذا المقال الشيق في كوكب المعرفة.