ما الذي يجب على الكبار أن يتعلموه من الصغار؟
كتبت: خديجة الحداد
من يتتبع طباع الصغار البريئة وسلوكياتهم الفطرية يرى فيها الحكمة في رقة القلب وسلامة النفس وصدق المشاعر والرضا والتسليم والألفة والتسامح والعطاء، ليت الكبار يأخذوا بها ولو طبقوها لوجدوا السعادة والرضا في أحوالهم وحياتهم.
صفاء القلب وطهارة الروح وسلامة النية
فالأطفال خلقوا على الفطرة السليمة لا يحقدون ولا يكذبون ولا يعرفون طريق الحسد ولا يوجد للشر مكان في قلوبهم، لا ينافقون، ما بداخلهم تماما ما يظهرونه، شعارهم الحب والتعاطف غير الكبار الذين أعمت قلوبهم الأطماع الدنيوية والتنافس غير الشريف قلما يفرح أحدا لزميل في العمل قد ارتقى في رتبته أوقد رزق الله بالولد أو أنعم عليه بنعمة جديدة وإن أظهر الفرح فإن داخله يحترق من الحقد والغيرة.
الرضا بقضاء الله والتسليم لقدره
تجد الرضا في طباع الصغار في أجمل صوره في حال أصابهم مكروه أو مرض أو فقد شيء يحبونه فأقصى رد فعل (دموع في أعينهم) سريعا ما تتوقف وتعود الابتسامة على وجوههم، إذا نظرت إلى الصغار المرضى بالسرطان أو غيره فسترى الابتسامة البريئة تنير وجههم رغم ما يتعرضون له من الآلام الشديدة وجلسات العلاج المرهقة لأجسامهم الضعيفة فإنهم راضون بقضاء الله مستسلمين لقدره متفائلين بالشفاء، لا يكثرون الشكوى ولا يظهرون التذمر يتناسون ما هم فيه بأقل شيء يسعدهم، بالمقابل تجد كثير من الكبار يتباكون ويتشاكون من أقل مصيبة رغم ما لديهم من قوة تحمل.
الألفة والمشاركة وسرعة التعارف
من يلاحظ طباع الصغار وتصرفاتهم في التجمعات أو الحدائق العامة والمدارس تجدهم يسارعون في التعرف على بعضهم دون أي تكلف ما يجمعهم سوى ابتساماتهم وبراءة نظراتهم ورقة قلوبهم يقتربون ويألفون بعضهم سريعا من أول مرة، يحبون المشاركة في أقل ما يملكون يتقاسمون قطعة حلوى أو يتشاركون وجبة صغيرة فمتعة المشاركة تفوق متعة الأكل يأكلون ويتحدثون والبسمة لا تفارق محياهم وكأنهم أدركوا بركة الاجتماع على الطعام، في حين ترى تجمعات الكبار إذا ما اجتمعوا من الأصل يشوبوها الصمت والملل كل منهم منشغل بهاتفه وكأنهم خشب مسندة.
سرعة الأوبة و التسامح ونسيان الخلافات
يشترك الصغار في طبع جميل وهو أنهم قد يختلفون ويتخاصمون وقد تصل لدرجة التشابك بالأيدي والصراخ، ثم بعد دقائق أو ساعات قليلة تراهم تصالحوا وعاودوا اللعب والحديث معا بنظرة وابتسامة وكأن شيئا لم يكن (ما لم يتدخل الكبار) لديهم طاقة كبيرة من التسامح ونسيان الخلافات يغفرون الزلات ويقبلون الأعذار، ليت الكبار يتخلقوا بطباع الصغار الودودة؛ فكثيرا ما ترى وتسمع عن مشاكل القطيعة والهجر والخصومات بين الأخوة والأقارب والأصدقاء على خلافات تافهة عيب أن تذكر، قلوبهم قاسية لا ينسون ولا يغفرون بل وقد يتذكرون أخطاء وسقطات في الماضي البعيد.
إخلاص الحب وصدق المشاعر وشدة التعلق
أسمى درجات الحب تجده عند الصغار إذا أحبوا فحبهم بصدق وإخلاص لا يشوبه نفاق ولا خيانة عهد، مشاعرهم حقيقية غير مزيفة علاقاتهم قوية لا تنفك، يألفون ويؤلفون حتى مع الحيوانات تراهم يظهرون الحب والاهتمام النابع من قلب برئ، في قصة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والصبي عُمير الذي كان يألف عصفورا صغيرا ويهتم به، والنبي الحنون يسأله دوما “يا عُميْر مَا بَالُ النُغَيرْ؟” ولما مات العصفور ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بقدره العظيم وقلبه الكبير ليواسيه في عصفوره لأنه يعلم شده تعلقه وصدق مشاعره.
رقة القلب ورهافة الشعور ومشاركة الوجدان
كثيرا ما تجد الدموع تنساب على وجنات الصغار إذا رأوا ضرا قد أصاب أحدهم كأن يروا أحدا يبكي فيبكون مثله دون معرفة السبب ترق قلوبهم ويتعاطفون لو رأوا حيوانا ضعيفا، صوت عال يثير الخوف في قلوبهم الغضة، تجدهم يستمعون لنصيحة الكبار ويعملوا بها، إذا تم تحذيرهم من شيء تجنبوه خوفا وحذرا، أما الكبار فلا يتقبلون نصيحة ولا تردعهم موعظة.
القناعة والرضا بما في أيديهم
الحصول على لعبة او قطعة حلوى أقصى أمنياتهم يقنعون بالقليل و يستمتعون بما لديهم لا ينظرون لما في أيدي الآخرين لا يندبون حظهم ولا تعرف الغيرة طريقا لقلوبهم، غيرهم من الكبار أغرتهم الدنيا فانشغلوا وراء ملذاتها ومهما جمعوا من خيرها لا يقنعون ويطمعون بالمزيد فلا يجدوا في أنفسهم المتعة فهم في سباق دائم مع الدنيا.
الالتزام بالتعليمات وحفظ العهود
عند الاشتراك في أي لعبة يتفقوا أولا على قوانينها وتعليماتها و يقسمون الأدوار فيما بينهم، فإذا بدأوا التزم كل منهم بالتعليمات ،في حالة تجاوز أحد قوانين اللعبة فإنه يخرج من اللعبة لأنهم أخذوا العهد بالتطبيق فهم يلزمون أنفسهم بحفظ العهودرغم ان الأمر مجرد لعب، فتلك من طباع الصغار التي تعلمهم الالتزام واحترام القوانين، لا كغيرهم ممن هم أكبر سنا وعقلا يقدم العهود والمواثيق ثم مع أدنى خلاف تجده يتجاوز القانون و يخون العهود ولا يبالي.
التعبير عن المشاعر بصدق وعفوية
بطيبة قلوبهم و براءة نظراتهم ولطف كلماتهم يعبرون عن حبهم أو حزنهم فإذا سئلوا عن رأيهم أجابوا بكل عفوية وبراءة لما في داخلهم بلا تحفظ أو خجل، ليس كالكبير في الاحتفاظ بمشاعره وعدم إظهار الحب والاهتمام بالآخرين ولو تطلب موقف الإفصاح يتملك الخجل والحياء لسانه فلا ينطق بكلمة.
صنع السعادة والاستمتاع بالموجود
بروح من السعادة والرضا يستمتعون باللحظة ويقدرون ما في أيديهم ويصنعوا سعادتهم بأنفسهم مهما كانت الإمكانيات محدودة، الإبداع في عقولهم يصنعون من اللاشيء عالما سعيدا يحلق بهم إلى الفضاء، لو رأيتم الأطفال في الملاجئ كيف تسعدهم لعبة بسيطة أو ورقة رسم وألوان تطير أفئدتهم من السعادة وكأنهم ملكوا الدنيا، ما بال الكبار لا يتعظون ثقلت أنفسهم بالأطماع فلا يشعرون بفيض النعم لديهم ولا يحمدون الله عليها، فيا لتعاستهم.
حفظ اللسان واحترام الغائبين
لا تجد صغارا اجتمعوا ليغتابوا شخصا ويتتبعوا عثراته ، لا يفشوا سرا لأحد ولا يذكروا عيوب الآخرين، وهناك من أكبر منهم من يجتمعوا على الغيبة والنميمة وتتبع عيوب الناس وأسرارهم وجعلها أضحوكة فيما بينهم والعياذ بالله.
نقاء الروح وسلامة النفس
يعجبني في الصغار كيف ينامون هانئين مطمئنين تغشاهم السكينة ، سلمت أنفسهم من كل حقد وضغينة، تطير ارواحهم النقية مع ملائكة السماء، لم يرتكبوا ذنبا ولم يؤذوا أحدا ولا تحمل أنفسهم غلاً ولا كرها، توكلوا على خالقهم فكفاهم أمر الغد، وأمنية الكبير أن يضع رأسه على الوسادة فينام ، وأنى له النوم وقد شغل فكره بأمر الغد و أجهد نفسه في التفكير بالآخرين كيف يرد على هذا وكيف ينتقم من ذاك، ولو سلمت نفسه وصفيت سريرته لهنأ بنوم الصغار.
هذه خواطر من القلب وإمعان في طباع وأخلاق الصغار البريئة على الفطرة التي خلقوا عليها وهو ما يجب أن يكون على حاله الكبار لأننا في الأصل كنا كذلك لكن شغلتنا الدنيا وأطماعها فنسينا أن نعيش الحياة بقلب سليم ونفس نقية وروح بريئة كي نملأ دنيانا بالحب والتعاطف والتعاون مع الآخرين.
دمتم سالمين
[latest-selected-content limit=”3″ display=”title,excerpt” titletag=”strong” url=”yes” linktext=”إقرأ الموضوع كاملا” image=”full” elements=”3″ type=”post” status=”publish” dtag=”yes” orderby=”dateD” show_extra=”taxpos_category_before-title”]