التكنولوجيا والطب: أحدث الإكتشافات الطبية التي تحدث نقلة نوعية في التشخيص والعلاج
كتبت: خديجة الحداد
في عالمنا المتطور يشهد المجال الطبي تقدما كبيرا بخطوات سريعة حيث توصلت الأبحاث الطبية الحديثة لاكتشافات مذهلة تساهم في إنقاذ حياة الملايين حول العالم.
بداية من العلاجات المبتكرة للأمراض المزمنة إلى التقنيات الحديثة للتشخيص واكتشافات اللقاحات وتقدم العلاج الوقائي وأساليب العلاج الجيني يعد المجال الطبي مصدر الأمل والتقدم.
في مقالتنا هذه سنلقي نظرة على بعض أحدث الإكتشافات الطبية وكيف يمكن أن تؤثر في مستقبل الرعاية الصحية.
تقنية CRISPR لعلاج فقر الدم المنجلي
تعتبر تقنيات CRISPR أحد أهم و أحدث الإكتشافات الطبية في تقنيات العلاج الجيني والتي كانت لها نتائج فعالة في علاج العديد من الأمراض الجينية المزمنة.
العلاج بتقنية كريسبر تعمل على تحرير الجينات المرتبطة بظهور الأمراض الوراثية.
ومن أحدث تطبيقات تقنية CRISPR استخدامه في علاج مرض فقر الدم المنجلي المعروف ب SCD.
مرض فقر الدم المنجلي هو حالة وراثية تكون فيها خلايا الدم الحمراء على شكل هلال أو منجل، بالمقارنة بشكلها الطبيعي الكروي مما يجعلها صلبة ولزجة مما يؤدي إلى التصاق خلايا الدم الحمراء ببعضها.
مما يتسبب في منع تدفق الدم بشكل طبيعي بالإضافة إلى العديد من الأعراض المزمنة والمضاعفات الخطيرة التي قد تؤثر على صحة الأعضاء الأخرى
تشمل أعراض مرض فقر الدم المنجلي ضيق التنفس والتهابات المفاصل وتعرض المصابين لسكتات دماغية بعمر الأربعينيات والتأثير على عمل القلب واحتمالية الإصابة بالعمى إذ استمر المرض بلا علاج والتأثير على صحة الكلى.
تطبيقات تقنية كريسبر في علاج فقر الدم المنجلي
أحدث العلاجات المطورة في استخدام تقنية كريسبر لعلاج خلايا الدم المنجلية يستخدم قطعة من الفيروس Lyfgenia لتوصيل جين الهيموجلوبين الجنيني مما يمنع خلايا خلايا الدم من الالتصاق ببعضها البعض ويمنع تدفق الدم، الذي يتم إعادته إلى المريض.
العلاج الآخر Casgevy يستخدم تقنية CRISPR/Cas9 لتحرير الخلايا الجذعية وراثيا لإنتاج المزيد من الهيموجلوبين الجنيني والذي يتم إعادته بعد ذلك إلى المريض.
إحدى وجهات النظر العلمية والطبية تشير إلى أن هذه العلاجات تقوم بنفس الهدف ولكن بطريقة مختلفة نوعا ما.
لذا، من الضروري التأكيد على أن هذا ليس علاجا نهائيا لمرض فقر الدم المنجلي، وسيظل المرضى مصابين بهذا المرض بعد التدخل.
والأمل هو أن يكون لديهم شكل أخف من المرض حيث يمكنهم الشعور بألم أقل بكثير ونأمل أن تكون لديهم مضاعفات أقل ونأمل أن يعيشوا حياة أطول.
دواء يمنع ظهور السكري لسنوات
بفضل جهود الباحثين والعلماء تم تطوير أول عقار يؤخر ظهور مرض السكري من النوع الأول وهو أحد أبرز وأحدث الإكتشافات الطبية في عام 2023.
منذ اكتشاف الأنسولين عام 1922 لم يتمكن أي دواء من تغيير مسار مرض السكري من النوع الأول حتى وقت قريب، إلى أن تم اكتشاف عقار يسمى teplizumab الذي يعمل على تأخير ظهور مرض السكري من النوع الأول بمعدل عامين لأكثر من عشر سنوات للأشخاص الذين يحتمل إصابتهم بهذا المرض.
مرض السكري من النوع الأول هو من أمراض المناعة الذاتية الأكثر انتشارا في العالم والذي يهدد حياة الملايين حيث تهاجم الخلايا المناعية للمصاب جهاز البنكرياس المسئول عن إنتاج الأنسولين الطبيعي الذي بدوره يتحكم في مستويات السكر بالدم.
ولذلك يعتمد مرضى السكري من النوع الأول على جرعات الأنسولين الخارجية حيث ليس لديهم أنسولين بالجسم أو لديهم تركبزات أنسولين أقل.
يتسبب مرض السكري من النوع الأول في العديد من الأعراض تشمل ارتفاع مستوى السكر بالدم، ارتفاع ضغط الدم، الصداع، بالإضافة إلى المضاعفات الخطيرة مثل التأثير على شبكية العينين، الجلطات القلبية وأمراض الكبد والكلى، والتعرض للغيبوبة في حالة انخفاض مستوى السكر بالدم.
أجريت الدراسة على عدد من الأشخاص الذين لديهم احتمال كبير للإصابة بالمرض، على أمل مساعدتهم قبل أن يدمر جهاز المناعة لديهم الكثير من البنكرياس.
أظهرت الدراسة المنشورة في مجلة نيو إنجلاند الطبية عام 2019 أن 43% من المشاركين الذين تناولوا الدواء أصيبوا بمرض السكري خلال التجربة، مقارنة بنسبة 72% من المشاركين في مجموعة الدواء الوهمي.
تطبيقات عقار تيبليزوماب
يعمل عقار تيبليزوماب (teplizumab) الجديد عن طريق الارتباط بالخلايا المناعية المعروفة بالخلايا الليمفاوية التائية (T-cells)، مما يحد جزئيًا من قدرتها على تدمير الخلايا المنتجة للأنسولين، كما أنه من أحدث الإكتشافات الطبية.
في نوفمبر 2022، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على عقار تيبليزوماب، الذي يُباع تحت الاسم التجاري Tzield.
قد يساهم هذا الدواء في إنقاذ حياة الأطفال والشباب والكثير من الأشخاص والمحتمل إصابتهم بالسكري من النوع الأول، ويؤخر ظهور المرض لسنوات ليعيشوا حياتهم بدون معاناة وألم.
كما يأمل العلماء أن يتم تطبيق هذه الإستراتيجية الجديدة للعلاج المناعي الوقائي على أمراض المناعة الذاتية الأخرى في الحالات التي تشير تحاليل الدم لديها إلى احتمالية ظهور المرض مثل أمراض التهاب المفاصل الروماتويدي والتصلب المتعدد.
أثبت هذا الاكتشاف فعالية تقنيات العلاج الوقائي وإنقاذ حياة الكثير من الحالات عندما لا تكون الحالة المرضية واضحة بعد ولم يحدث الضرر بالفعل وهي الطريقة الأفضل.
تطوير لقاح RSV لعلاج الفيروس التنفسي
من أحدث الإكتشافات الطبية، فبجانب جهود الباحثين في العمل على تطوير لقاحات فيروس COVID-19 حيث تم تطوير واعتماد عدة لقاحات لمكافحة فيروس كورونا المستجد (COVID-19) في وقت قياسي مما ساهم في التقليل من انتشار الفيروس وتقليل حدة الإصابات والوفيات.
كما تم تطوير لقاح جديد أثبت فعاليته في علاج الفيروس الخلوي التنفسي أخطر الفيروسات التي ضربت أمريكا بجانب كوفيد 19 والإنفلونزا والأكثر فتكا والذي يودي بحياة عشرات الآلاف كل عام في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، ويهدد حياة مئات الأطفال دون سن الخامسة.
يهاجم الفيروس الخلوي التنفسي RSV جهاز التنفس ويتسبب بآلام شديدة ومضاعفات خطيرة تؤدي إلى الوفاة .
لذلك يعتبر لقاح الفيروس الخلوي التنفسي من أكثر الإكتشافات الطبية الحديثة فعالية وتأثيرا في السيطرة على الأمراض المعدية والوقاية من أخطر الفيروسات التنفسية ويساهم في التخفيف عن معاناة الإصابة بهذا المرض وإنقاذ حياة الآلاف حول العالم.
تطبيقات لقاح الفيروس الخلوي التنفسي RSV
تعمل الأبحاث الطبية على تطوير لقاحين للفيروس الخلوي التنفسي منذ عشرات السنين.
وقد تم الانتهاء من تطوير اللقاح الذي تمت الموافقة عليه مؤخرا من قبل إدارة الأغذية والعقاقير (FDA) بواسطة شركة (GlaxoSmithKline) والذي يستهدف المرضى الذين تتجاوز أعمارهم الستين عام.
كما تمت الموافقة على استخدام لقاح مناسب للحوامل لوقاية الأجنة من الفيروس التنفسي RSV.
أثبتت التجارب السريرية أن لقاح Arexvy كان فعالًا بنسبة 83٪ في الوقاية من مرض الجهاز التنفسي السفلي المؤكد لدى الأشخاص الذين يبلغون من العمر 60 عامًا فما فوق، وفقًا لدراسة نشرت في مجلة نيو إنجلاند الطبية.
ترجع هذه التطورات في اللقاحات إلى الفهم المتزايد لكيفية عمل الفيروس المخلوي التنفسي (RSV)، وخاصة مكون يُعرف باسم بروتين الاندماج (بروتين F).
وحسب تصريحات آن فالسي أستاذة الطب في كلية الطب بجامعة روتشستر التي كانت من ضمن الفريق الذي أجرى البحث عن لقاح فايزر RSV:
عند حقن بروتين F، يستجيب الجسم بإنتاج أجسام مضادة تستهدف هذا البروتين، مما يمنع الفيروس من دخول الخلايا.
وهذا البروتين عبارة عن جسم مضاد مصنع يحاكي الأجسام المضادة في جهاز المناعة للقضاء على الفيروس.
استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض
في الآونة الأخيرة وبعد دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة وإثبات قدرتها في القيام بمهام متنوعة، تم تطوير أجهزة تشخيص الأمراض باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي والذي أثبتت فعاليته في الكشف والتشخيص الطبي بدقة بالإضافة إلى إمكانية التتبؤ بالأمراض والمضاعفات في وقت مبكر.
حيث تم تطبيق برنامج يعتمد على الذكاء الاصطناعي تم تطويره من قبل شركة Johns Hopkins Medicine للكشف عن حالات الإنتان.
الإنتان أو تسمم الدم septicemia هو حالة تشير إلى ردة فعل الجسم تجاه العدوى الشديدة وإن لم يتم كشفه يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات خطيرة منها جلطات الدم وتسريب الأوعية الدموية وتلف الأعضاء
يعتمد بقاء الإنتان على الاكتشاف السريع وهذا كان يمثل مشكلة لأنه لا يوجد اختبار واحد للإنتان، وأعراضه تشبه أعراض العديد من الحالات الأخرى.
وكانت النتائج باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي الطبي مبهرة حيث تم اكتشاف الإصابة بالإنتان في وقت أسرع بحوالي ست ساعات في المتوسط من الطرق التقليدية.
والذي من المحتمل أن يكون النظام قد أنقذ مئات الأرواح.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب
تعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي في الطب على العملية التي تسمى (نظام الإنذار المبكر المستهدف في الوقت الحقيقي TREWS)
حيث قام الخبراء بتغذية خوارزميات الذكاء الاصطناعي بآلاف السجلات الصحية للمرضى السابقين حتى تتمكن من التعرف على علامات المرض
وبدورها تقوم أداة الذكاء الاصطناعي بمعالجة كميات كبيرة من المعلومات حول المرضى الحاليين بسرعة
من خلال سحب مصادر متعددة للبيانات بما في ذلك التحاليل المعملية والعلامات الحيوية
حيث يقوم الذكاء الاصطناعي بقراءة ملاحظات الموفر باستمرار للبحث عن عبارات معينة. عند تحديد أداة الذكاء الاصطناعي لمريض معرض للخطر، تطلق تنبيهات للطبيب تتضمن شرحا لأسباب الإبلاغ عن المريض وتوصيات قائمة على الأدلة حول كيفية المتابعة.
تم اختبار نظام الذكاء الاصطناعي هوبكنز في خمسة مستشفيات، حيث شمل 4000 طبيب و590000 مريض على مدار عامين.
ووفقا لدراسة نشرت في مجلة Nature في يوليو 2022، انخفضت الوفيات المرتبطة بالإنتان بنسبة 20%.
وكانت هذه هي الحالة الأولى التي يتم فيها استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع من قبل الأطباء في الخطوط الأمامية في المستشفيات.
لا يتوقف الأمر على اكتشاف حالات الإنتان فقط، فقد تم تطوير منصة أخرى من قبل شركة الذكاء الاصطناعي Bayesian Health تهدف إلى اكتشاف الحالات المرضية الأخرى.
باستخدام هذه المنصة يمكن للأطباء التنبؤ بما إذا كان الشخص سيصاب بالفشل الكلوي أو قصور القلب.
كما يكن متابعة المرضى والتنبؤ بحالة المريض أو مدى استقرار حالته إذا غادر المستشفى.
لذلك فإن تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي الطبي تعد أكبر الاكتشافات الطبية الحديثة التي تساهم بشكل كبير في التشخيص المبكر في متابعة الحالات المرضية بكل دقة وتساعد في تقديم وتحسين الرعاية الطبية للمرضى في المستشفيات.
تقدم في علاجات الأمراض النفسية
بجانب التطورات الطبية الحديثة في السيطرة على الأمراض المعدية والعلاجات الحديثة في الأمراض المزمنة وإدارتها.
فقد شملت جهود الباحثين تطوير العلاجات النفسية الفعالة في علاج الأمراض النفسية والعقلية التي تصيب عدد كبير من الأشخاص حول العالم، وتؤثر على حياتهم وحياة الآخرين.
تتضمن العلاجات النفسية الحديثة اكتشاف أدوية لعلاج مرض الزهايمر وأخرى لعلاج حالات اكتئاب ما بعد الولادة.
تأخير مرض الزهايمر
توصل الباحثين إلى تطوير عقار لتأخير أعراض مرض الزهايمر يسمى lecanemab (الاسم التجاري Leqembi)
وقد حصل الدواء على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية الكاملة في يوليو 2032
يعمل عقار lecanemab على إزالة (لويحات الأميلويد) وهي مادة كيميائية ضارة تتراكم في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض الزهايمر.
في حين لا يوقف الدواء المرض، ولكن أثبتت التجارب السريرية فعالية عقار ليكانيماب في إبطاء التدهور المعرفي بنحو 30 بالمائة على مدى 18 شهرًا مقارنة بالعلاج التقليدي.
ويعد ذلك تطور كبير في العلاجات النفسية الحديثة للتخفيف من معاناة المرضى والمصابين وتأخير المضاعفات الشديدة.
علاج اكتئاب ما بعد الولادة
حالة الاكتئاب التي تصيب النساء بعد الولادة من أبرز الحالات النفسية التي حصلت على اهتمام البحث العلمي الطبي لتطوير علاج فعال.
وبعد محاولات عديدة توصل الباحثين إلى تطوير عقار يسمى زورانولون (الاسم التجاري Zurzuvae) لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة في شكل حبوب أقراص عن طريق الفم
ولحسن الحظ يمكن للمصابات باكتئاب ما بعد الولادة تناول الدواء عن طريق الفم في المنزل وتجربة التحسن في أقل من ثلاثة أيام
وقد كان العلاجات المستهدفة السابقة لحالات اكتئاب ما بعد الولادة في الولايات المتحدة تتطلب حقن في الوريد لمدة 60 ساعة على أن يكون تلقي الجرعات داخل المستشفى.
كانت هذه أحدث الإكتشافات الطبية التي تم تطبيقها وتجربتها سريريا وأثبتت السلامة والفعالية الدوائية وأظهرت تحسينات ملحوظة في الرعاية الصحية المتقدمة.
وكانت نتائجها إيجابية سواء في التخفيف عن الآلام والأعراض أو الاكتشاف المبكر ومنع المضاعفات الخطيرة أو تحسين الطب الوقائي في السيطرة على الأمراض المعدية وتقدم مجال المناعة العلاجية وغيرها.
