Menu Close

في اليوم الدولي للترجمة : كيف تنجح كمترجم؟

في عالم متعدد الثقافات، الترجمة هي المفتاح لتواصل ناجح


يحتفل الملايين باليوم الدولي للترجمة الموافق 30 سبتمبر من كل عام،

ولكن ما السبب وراء اختيار ذلك اليوم، ولماذا نحتفل بهذا اليوم تحديدا؟

يعد ذلك اليوم مناسبة ملائمة للتعرف على أهمية الترجمة والمترجمين في مجتمعاتنا، ولايمكن أن يفوت كوكب المعرفة مناسبة كهذه للاحتفاء معكم به على طريقته الخاصة.

اليوم الدولي للترجمة
اليوم الدولي للترجمة

بدأ العالم الاحتفال باليوم الدولي للترجمة عندما أطلق الاتحاد الدولي للمترجمين والذي تأسس عام 1953، فكرة الاحتفاء “باليوم العالمي للترجمة” منذ عام 1991، خصيصا لإظهار التعاون بين المترجمين في أنحاء العالم،

ولتعزيز أهمية الترجمة وأعمال المترجمين عند الجميع، ثم أتت الجمعية العامة للأمم المتحدة واعترفت بهذا اليوم واحتفت به للمرة الأولى في 30 سبتمبر عام 2017. 


سبب اختيار يوم الترجمة العالمي

وعن اختيار ذلك اليوم تحديدا، فهو يرجع إلى كونه عيد القديس جيروم في الثلاثين من سبتمبر، والذي قدم جهودا كبيرة في ترجمة الكتاب المقدس من اللغة اليونانية والعبرية إلى اللغة اللاتينية،

وذلك تقديراً لجهوده في عالم الترجمة، وذكرت الأمم المتحدة أنه سيتم الاحتفال باليوم الدولي للترجمة ليكون فرصة للإشادة بعمل المترجمين الذين يلعبون الدور الأهم في مجتمعاتنا بالتقريب بين الدول والثقافلت والشعوب،

فهم يسهلوا التفاهم والحوار بين المجتمعات المختلفة، فضلا عن المساهمة في التنمية وتعزيز الأمن والسلام العالميين.

وأكدت الأمم المتحدة في بيانها، أن الترجمة بكل أنواعها سواء كانت أدبية أو علمية أو فنية أو مهنية فهي لا غنى عنها للحفاظ على الوضوح والمناخ الإيجابي العالمي مما يعزز من الإنتاجية.

ويشجع الاحتفال باليوم الدولي للترجمة على الاعتراف بمهنة الترجمة وأهميتها في الحياة وفي المجتمع الدولي، فيعد المترجمين هم الوسيط الوحيد بين البشر المختلفين ثقافيا للتقريب بينهم، من خلال ترجمة الكتب والأفلام والأبحاث العلمية والوثائق الرسمية والمقالات، والتي تعبر كل منهم عن جزء في المجتمع

بدون الترجمة، كانت الكثير من الروائع الأدبية والفكرية لتظل حبيسة لغاتها الأصلية، وكانت العقول البشرية لتفقد فرصة ثمينة في التعلم والنمو والتطور.

الترجمة وتأثيرها على الحضارات

عند النظر بتمعن إلى الترجمة، فنجدها ليست مجرد عملية نقل نص من لغة إلى أخرى، بل تعد فن يتطلب مهارة وفهماً عميقاً للثقافتين باللغة الأصلية واللغة المترجم إليها، فعملية الترجمة هي عملية دقيقة تجمع بين الأمانة العلمية في نقل المعنى، والدقة في إيصال الأفكار، فضلا عن الإبداع في اختيار الكلمات المناسبة التي تعبر عن الروح الموجودة في النص الأصلي، فتمكن الترجمة مجتمعات العالم من المشاركة في الأدب والفن والفلسفة والتكنولوجيا، مما يعزز من ثراء الحضارات ببعضها والتقدم الإنساني.

وبدون الترجمة، كانت الكتب الأدبية والفكرية والثقافية المختلفة ستظل حبيسة لغتها الأصلية، وكنا سنفتقد فرص كبيرة للتعلم والنمو والتطور.

تتيح الترجمة إنشاء حلقة وصل بين الشعوب والثقافات المختلفة، لما للكتب الثقافية المترجمة من نقل العادات الخاصة بكل مجتمع، والتي تسمح للقارئ بتحديد مظاهر التشابه والاختلاف بين ثقافته وثقافة الشعوب الأخرى،

فتعد ترجمة المؤلفات الأدبية والفنية هي حلقة وصل لقرائها للإبحار إلى الثقافات الأجنبية الأخرى التي تحيط بهم، مما يسمح بإنشاء روابط ودية بين الشعوب، فتشجع الترجمة على التعمق الثقافي وامتصاص بعض الثقافات الأخرى دون وعي من القارئ.

تعد الترجمة أداة كاشفة عن الثقافات وشعوب الماضي، فعند ترجمة آثارهم وكلماتهم يفتح ذلك طريقا للود بيننا وبينهم، ليخلق بيننا تواصل حي يتجاوز حدود الزمان.

دور المترجم في العصر الحديث

للمترجم دورا بارزا في عصر العولمة الحالي الملپ بالتحديات التكنولوجية، فهو صاحب دور أساسي في عدد من المجالات المختلفة مثل السياحة والتجارة وعالم الأعمال.

فيعزز المترجم في عصرنا الحالي على تيسير سبل السياحة العالمية، فالترجمة تخلق قناة للتواصل بين السياح والمرشد السياحي والسكان الأصليين، ويسهم التواصل اللغوي بين السائحين والسكان الأصليين في خلص المحادثات الثقافية الثرية، والتي توطد من علاقة السائح بثقافة البلد التي يزورها.

وتعمل الترجمة المتقنة على إزالة حواجز اللغة وتسهيل التواصل بين الأفراد أصحاب الثقافات المختلفة، مما يساهم في تشجيع التبادل الحضاري وتعزيز التفاهم المتبادل بين الأفراد في عصر العولمة، وبفضل المترجم يصبح من الممكن نقل المعرفة والمعلومات والثقافات من مكان إلى آخر بكل سهولة، مما يزيد من التواصل الثقافي والتبادل العلمي بين مختلف المجتمعات، في عالم الأعمال والتجارة ولا سيما السياحة.

تحديات المترجم 

يواجه المترجمين العديد من التحديات بطبيعة عملهم، والتي إما ترتبط بالتطور التكنولوجي الراهن، أو طبيعة العمل ذاتها، فتتطلب عملية الترجمة وقتا وجهدا كبيرا، ومن تلك التحديات:

  • التطور التكنولوجي واحد من أبرز وأخطر التحديات التي تواجه المترجم، فمع تطور الأدوات التكنولوجية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وإمكانياتها في الترجمة الفورية، فأصبح بإمكان الآلات أن تحل محل المترجمين البشر، فعلى المترجم أن يستغل هذه الأدوات في عمله بالطريقة الصحيحة بدلا من السماح لها بأداء كل الأعمال.
  • الضغوط الزمنية من تحديات المترجم والتي تكون مرتبطة بموعد التسليم، فبطبيعة عمل المترجم يكون لديه العديد من المهام والمشروعات العاجلة التي تتطلب إنجازها بسرعة وبدقة،
    لكن عنصر الوقت يمكن أن يقلل من جودة الترجمة، والضغط الزمني يمكن أن يولد التسرع وارتكاب الأخطاء وإهمال بعض التفاصيل الهامة في الموضوع،
    فيجب على المترجم حينها أن يتحلى بالسرعة وفعالية الإنجاز للمهام المطلوبة في الوقت المحدد بدون إحداث خلل في جودة الترجمة.
    فعلى المترجم أن يتبع بعض استراتيجيات العمل الفعالة لزيادة الإنتاجية مع الحفاظ على الجودة، كتنظيم الوقت وتحديد الأولويات، وتقسيم المهام إلى أجزاء صغيرة لسهولة إدارتها، واستخدام أدوات الترجمة المساعدة.
  • التخصصات المتعددة، فتطرح الترجمة المتخصصة تحدي يرتبط بالصعوبات المعرفية والمصطلحية في بعض المجالات المتخصصة، مثل الطب والقانون والأدب، فيواجه المترجم بعض الصعوبات في ترجمة الكتب الأدبية والأشعار، فلا تكون مجرد كلمات مسرودة، بل هي تعابير فنية تعبر عن المشاعر والأفكار العميقة،
    فعلى المترجم أن يكون قادرا على نقل هذه العواطف والأفكار بمصطلحات تليق بالأصلية، فهي تمثل تحدي للخصوصية اللغوية والثقافية للنص الأصلي.

وتفرض الترجمة الطبية والقانونية بعضا من التحديات الكبيرة للمترجم، فأي خطأ لغوي في الترجمة يمكن أن يؤدي إلى مشكلات طبية أو قانونية،

ففي الترجمة القانونية ومستنداتها لغة دقيقة خاصة بالبلد الأصلي، وعلى المترجم أن يكون على دراية كافية بالمصطلحات والأساليب القانونية المختلفة، لضمان صحة المعلومات المترجمة وفهمها بشكل صحيح.

ويكمن تحدي الترجمة الطبية في ترجمة المصطلحات الطبية المعقدة والتفاصيل الدقيقة، فلابد أن يكون المترجم على اطلاع واسع بالمصطلحات الطبية والأساليب الطبية المستخدمة، فتؤدي أخطاء الترجمة الطبية إلى تداعيات جسيمة، فيمكن أن يحدث خطأ في التشخيص أو سوء الفهم بين الأطباء والمرضى.

مهارات المترجم المطلوبة في المستقبل

مع التقدم التكنولوجي في عصرنا الحالي، والتطور المعلوماتي يوم بعد يوم، على المترجم أن يواكب ذلك التقدم والتطور بثقل مهاراته لمواكبة العصر، فكل المجالات تحتاج إلى تطوير واهتمام في ظل تقدم التكنولوجيا، فعلى المترجم أن يتحلى ببعض المهارات منها:

قدرته على استخدام تقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي في الترجمة، مما يسهل من إنجاز عمله، وذلك بعد تدخل الذكاء الاصطناعي في جميع مناحي حياتنا، فلابد من الاستفادة منه بأقصى حد، لكن مع عدم التأثير على جودة الترجمة، والحفاظ على الطابع البشري الملئ بالعواطف والمشاعر والأفكار.

كما يجب أن يتحلى المترجم بمهارات العمل الجماعي، فالعمل الجماعي التعاوني هو أساس النجاح في أي مجال، فالعمل كأسرة واحدة وفريق واحد، يعزز من جودة الخدمة المقدمة.

كما لايمكن إغفال مهارة إدارة المشاريع وتطويرها، فإدارة المترجم لمشروع معين يتعين عليه ترجمته والإشراف عليه من الألف إلى الياء هو ليس بالأمر السهل، فعلى المترجم أن يتحلى بمهارة إدارة الأعمال وقيادتها بشكل صحيح للحفاظ على جودة الخدمة المقدمة.

أنواع الترجمة

تتعدد أنواع الترجمة وتختلف طبقا لهدف كل نوع، فما هي أنواع الترجمة الأكثر استخداما في هذا العالم؟

وهي من أهم أنواع الترجمة وأصعبها، فيكون المترجم ملزوم بترجمة ما يقال بشكل شفوي وسريع، لكن لا يشترط في هذا النوع الدقة الكبيرة، فيكون المترجم ملزوم بنقل معنى الكلام الذي يقوله الشخص دون الترجمة الحرفية، وتنقسم الترجمة الشفوية إلى ثلاثة أقسام وهي:

  • الترجمة المنظورة ( AT- Sight Interpreting)، وهي الترجمة التي تتم من خلال ترجمة النص بمجرد النظر إليه من لغته الأصلية إلى اللغة المطلوبة.
  • الترجمة التتبعية ( Consecutive Interpreting)، وتكون بين مجموعتين تتحدث كل مجموعة منهما لغة تختلف عن الأخرى، والمترجم يكون بينهم لنقل الحديث مترجم، وعلى المترجم هنا أن يكون متقنا جيدا للغة التي تدور بين المجموعتين.
  • الترجمة الفورية ( Simultaneous Interpreting)، وهي من أكثر أنواع الترجمة الشفوية شيوعا، وتكون في المؤتمرات الدولية التي يلتقي فيها الأشخاص من لغات مختلفة، وفيه يكون المترجم معني بنقل الكلام الذي يتحدث به مجموعة من المتحدثين إلى اللغة الرسمية للمؤتمر، والذي يتطلب سرعة بديهة وسرعة في الأداء.

يختص هذا النوع من الترجمة بترجمة الأعمال الأدبية مثل القصص والروايات والقصائد والمسرحياتؤ وهي من أصعب أنواع الترجمة، فلا يقتصر دور المترجم هنا على نقل المعنى فقط، لكنه مطالب بنقل الشعور والمعنى وراء المصطلحات والعبارات المختلفة، ليكون من السهل على القارئ فهم القصة والاستمتاع بها كما هي في أصلها، وألا يشعر بأنه يقرأ سرد للكلمات فقط.

وهي أدق ما يشير إلى الترجمة الاحترافية، فهي معنية بترجمة المواد التخصصية في مجالات معينة، تطلب الاطلاع على المصطلحات الخاصة بالتخصص، ليستطيع المترجم نقل المعنى المطلوب، فمثلا في مجال التسويق عليه أن يكون مطلعا على المصطلحات التسويقية الجديدة وأساليب التسويق المستحدثة لنقل المعنى المقصود.

وهذا التوع من الترجمة يندرج تحته الكثير من أنواع الترجمة منها العلمية والطبية والقانونية، فيكون المترجم مطالب بمعرفة التخصص الذي يترجمه ومصطلحاته وأساليب حتى لايحدث لبس في الترجمة ونقل المعنى.

  • فالترجمة العلمية تشير إلى ترجمة النصوص العلمية في مختلف المجالات والتي قد تكون معقدة أحيانا، فعلى المترجم تبسيط المفاهيم والمعاني لنقلها للجمهور، فمثلا النصوص العلمية في مجالات الكيمياء والفيزياء والأحياء وعلم النفس، الفضاء، كلها تحتاج إلى نقل مبسط وواضح للمادة.
  • والترجمة الطبية، والتي تعد من أكثر أنواع الترجمة حساسية لأنها تتعلق بحياة الأشخاص ومرضهم، فأي خطأ في الترجمة يمكن أن يؤدي للتشخيص الخاطئ أو خطأ في ترجمة نشرة الدواء للمريض قد يودي بحياة المريض، فبالتأكيد لابد أن يكون المترجم في الأصل طبيب أو صيدلي أو قارئ ممتاز في المجال الطبي.
  • وكذلك الحال في الترجمة القانونية، أي خطأ يحدث في الترجمة يؤدي إلى مشكلات قانونية كبيرة تضر بمصالح الشركات مثلا، فتكون الترجمة القانونية متخصصة في ترجمة العقود وبراءات الاختراع والمستندات القانونية، وحقوق النشر والتأليف والشهادات والبيانات القانونية، وفي هذه الحالة يجب أن يكون المترجم صاحب خلفية قانونية وعلى دراية كافية بقوانين البلاد الذي يترجم منها وإليها.

تأثير التكنولوجيا على مهنة الترجمة

لعبت الترجمة الآلية دورا كبيرا في عملية الترجمة، وهي عبارة عن الترجمة باستخدام الآلات والبرمجيات ويكون المترجم هو جهاز الكمبيوتر وبرامج آلية، فيعمل بإدخالك النص المراد ترجمته لتتم ترجمة النص تلقائيا في بضع دقائق.

وتتميز أدوات الترجمة الآلية بعدد من المميزات، هي: 

  • المرونة العالية في الاستخدام اللغوي، فتكون تلك الأدوات قادرة على ترجمة لغات متعددة في وقت واحد، مما يقلل من جهد المترجم البشري وتقليل وقت الترجمة.
  • سرعة عمليات الترجمة، فأدوات الترجمة الآلية تكون قادرة على ترجمة ملايين الكلمات لمشاريع الترجمة كبيرة الحجم في وقت قصير، بالإضافة إلى قدرة الذكاء الاصطناعي الذي يُعد وقود الترجمة الآلية في تحسين جودة عمليات الترجمة.
  • انخفاض تكاليف عمليات الترجمة، فإن تم الاعتماد عليها بشكل رئيسي بدلا من المترجمين البشريين، سيقلل من التكاليف المادية التي تقع على أصحاب المشاريع بدفع الرواتب للبشريين، كما ترفع العبء عن البشريين وتمدهم بمسودات ترجمات مختلفة ليتم التعديل عليها فقط.
  • قدرة الترجمة الآلية على أن تكون متخصصة، فيمكن للأدوات الآلية التدريب على مجالات محددة للعمل عليها، وذلك من خلال جمع واستخدام كميات كبيرة من النصوص المترجمة من المجال المراد الترجمة فيه، مثل الوثائق الطبية أو القانونية أو التقنية.
  • الثبات في استخدام المصطلحات، باستخدام المصطلحات المتسقة في الترجمات المختلفة، للحفاظ على الدقة والوضوح وسهولة القراءة، فمثلا إذا ترجم مصطلح ما بشكل مختلف في كل مرة يظهر فيها في وثيقة معينة، فقد يؤدي ذلك إلى إرباك القارئ، وعدم قدرته على فهم النص بشكل سليم.

أما عيوب الترجمة الآلية

بالرغم من تعدد مزايا وفوائد الترجمة الآلية، إلا أنها صاحبة عيوب متعددة ومنها:

  • تقديم جودة ترجمة منخفضة، فتتعامل أدوات الترجمة الآلية مع مصادر غير دقيقة في عملية الترجمة، وتلتزم ببعض المصطلحات الثابتة التي لا تتناسب مع عملية الترجمة، مما يؤدي إلى انخفاض جودة النص المترجم وفقدانه الدقة.
  • عدم الدقة في الترجمة، فتترجم الأدوات الآلية النصوص بالترجمة الحرفية الخالية من الفهم والروح، على عكس المترجم اليشري الذي بفهم النص جيدا أولا ثم يترجمه بصورة دقيقة بما يتناسب مع معناه الأصلي.
  • وجود بعض الأخطاء في الترجمة الآلية، مثل الأخطاء النحوية التي التي تؤثر على فهم القارئ للنص وتؤثر أيضا على معنى النص نفسه.

دور الذكاء الاصطناعي المستقبلي في الترجمة

وبعد كل ما ذكرناه حول الترجمة الآلية المعتمدة بشكل أساسي على الذكاء الاصطناعي، يتساءل الكثير عن ما إن كان سيحل الذكاء الاصطناعي محل المترجمين البشر،

فتؤكد الدراسات أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل المترجمين البشريين أبدا بالرغم من قوته، فهو لا يستطيع التفرقة بين المصطلحات الدقيقة والقواعد النحوية في مختلف اللغات، والتي تؤثر بشكل كامل على بناء الجملة ومعناها.

ويؤكد الأستاذ الأميركي المتخصص في الابتكار والمعرفة “توم دافنبورت”، في مقال كتبه في مجلة فوربس (Forbes)، أن الجدل الذي يدور حول برامج مثل Google translate، و Microsoft Translator، و IFlytek، وإمكانية استبدالهم بالعنصر البشري ما هو إلا مجرد ضجيج.

وبالرغم من اعتراف “دافنبورت” بأن التكنولوجيا تشق طريقها بنجاح في عالم الترجمة، فإنه يعتبر الترجمة الآلية مفيدة فقط في المحتوى العام الذي يحتاجه السائحون ومتصفحي الإنترنت،

أما الترجمة الاحترافية فهي تحتاج للبشر القادرين على ترجمة الكتب والمقالات والوثائق القانونية بدقة بدون حدوث أخطاء.

كيف للمترجمين الاستفادة من التكنولوجيا

وبحلول اليوم الدولي للترجمة، لابد من أن نتحدث عن الثورة التكنولوجية العظيمة في عصرنا الراهن وكيف يمكن للمترجمين أن يستفادوا من تلك الأدوات في عملهم،

لما لها من توفير للوقت والجهد والتكلفة،

فبنقرة واحدة أصبح للمترجم الحصول على كم هائل من الترجمات بدلا من استخدام المعاجم والقواميس اللغوية، بما يزيد من إنتاجيته وإنجازاته وثقل مهاراته في مجالات متخصصة.

وعلى الجانب الأخر، يعتقد البعض أن التكنولوجيا ستؤثر على الترجمة بالسلب وتكسبها طابع السطحية، لكن في الواقع لا يمكن الاستغناء عن التكنولوجيا في حياتنا حتى في الترجمة،

بالاستخدام المعتدل يتم تحقيق الهدف المراد من التكنولوجيا وهي إكمال المهام أو المساعدة في المهام، وليس أدائها بشكل كامل. 

على المترجم أن يستخدم الأدوات التكنولوجية في الترجمة وقت الحاجة لها فقط، والابتعاد عن الاعتماد عليها بشكل كامل في الترجمة، فيمكن للمترجم أن يستخدم أدوات مساعدة الحاسوب التي تساعد في إنتاج عملية ترجمة احترافية،

والتي تكون عبارة عن أدوات مساعدة في جودة الترجمة للوصول إلى درجة الاحترافية.

كما تساعد الأدوات التكنولوجية الخاصة بالترجمة، على إنجاز المهام بشكل سريع وفعال، وتساهم في عمليات التواصل بين المترجم والعمل الذي ينفذه وبين عملائه. كما يتجلى دور التكنولوجيا في عالم الترجمة في تسهيل التواصل مع العملاء بشكل جيد من كل أنحاء العالم، للوصول إلى آلية مناسبة لإنجاز المهام.

وتفتح التقنيات الجديدة مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز آفاقًا جديدة للتواصل الفوري في البيئات مختلفة اللغات، حيث يمكن للمترجم الفوري العمل ضمن هذه الأنظمة لتقديم تجربة تفاعلية أكثر للمستخدمين.

يمكن للمترجم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لفحص الترجمة واكتشاف الأخطاء اللغوية والنحوية، مثل Grammarly وLanguageTool والتي تقدم تصحيحات واقتراحات لتحسين النصوص المترجمة.

يمكن للمترجم أن ينخرط في مجتمعات الترجمة على الإنترنت، والتي تستخدم الذكاء الاصطناعي مثل منتديات ProZ وTranslatorsCafe، فهي توفر موارد تعليمية وأدوات تقنية تساعد على تحسين المهارات.

يجب على المترجم أن يتعلم كيفية استخدام الترجمة الآلية العصبية (NMT)، التي تعتمد على تقنيات التعلم العميق لتحسين دقة الترجمة، من خلال أدوات مثل OpenNMT أو Marian NMT.

كما سيسمح للمترجم باستخدام برامج الترجمة بمساعدة الحاسوب (CAT Tools) مثل SDL Trados وMemoQ المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة المترجمين، فهي توفر الترجمة التلقائية، وتخزين العبارات المترجمة لتكرار استخدامها، وفحص الجودة.

قصص نجاح العلماء في تاريخ الترجمة

  • المترجم المصري شوقي جلال عثمان، حاصل على ليسانس كلية الآداب، قسم الفلسفة وعلم النفس من جامعة القاهرة،

تفرغ “شوقي جلال” للترجمة والتأليف، فكتب في الكثير من الصحف والمجلات والدوريات مثل: صحيفة “الأهرام”، ومجلة “العربي” الكويتية، ومجلة “الفكر المعاصر”، ومجلة “تراث الإنسانية”، وغيرها،

وقدم للمكتبة العربية عددًا من الأعمال المهمة تأليفًا وترجمة، عكست رؤيته التنويرية والإصلاحية، ومن تلك الأعمال: “المسيح يصلب من جديد”، و “الاقتصاد الكوكبي في العصر الأسيوي”، و “العولمة والمجتمع المدني”، و “الإسلام والغرب”، و”التراث المسروق”، و “بنية الثورات العلمية”،

ومن مؤلفاته “نهاية الماركسية”، “نظرة ثانية”، و “العقل الأمريكي يفكر”، و”الفكر العربي وسوسيولوجيا الفشل”، و “ثقافتنا والإبداع”.

  • نجح الكاتب والمترجم وليد سليمان بالرغم من صغر سنه في تحقيق الإلهام والتميز من خلال مؤلفاته والكتب التي ترجمها، فأصدر مجموعتين قصصيتين، الأولى بعنوان “ساعة أنشتاين الأخيرة”، والثانية بعنوان “كوابيس مرحة”.

وتخصص وليد سليمان في الترجمة الأدبية عن الإسبانية والإنجليزية والفرنسية،

فكان له الفضل في انفتاح القارئ العربي على عدة ثقافات ولغات وكُتاب مرموقين يترجمون لأول مرة إلى لغة الضاد، كما حقق السبق في ترجمة رواية الكاتب الأوكراني “أندري كوركوف” التي تدعى”عزيزي صديق المرحوم” كأول ترجمة لها باللغة العربية.

كما ترجم كتاب “إيروس في الرواية” عن الكاتب البيروفي الحاصل جائزة نوبل للأداب “ناريو فارغاس يوسا” باللغة الإسبانية، وترجم عن اللغة الفرنسية رواية “ذاكرة روبن” للكاتب الفرنسي “لويس دي ميراندا”.

وترجم رواية “المرجومة” للكاتب الإيراني “فريدون صاحبجام” والتي لاقت نجاحا كبيرا عند القارئ العربي، وترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، وحولت إلى فيلم سينمائي إيراني ناجح،

كما ترجم سليمان العديد من المؤلفات الشعرية مثل “مختارات شعرية” و”الشارة القرمزية: مختارات من شعر الهنود الحمر”.

نصائح للمبتدئين في مجال الترجمة

إن كنت واحدا ممن يرغبون في دخول عالم الترجمة وتحقيق الاحترافية في هذا المجال، فيقدم لكم كوكب المعرفة بعضا من النصائح لتساعدك في بدء رحلتك في مجال الترجمة، ومن تلك النصائح:

  • إتقان اللغة، لتكون مترجما احترافيا، عليك أن تتقن اللغة الأولى “العربية”، وفهم قواعدها جيدا، ثم بعدها تتقن اللغة الأجنبية الثانية بكل مشتقاتها.
  • أكثر من القراءة والاطلاع، على المترجم أن يكون صاحب اطلع واسع على الثقافات الأخرى ليصل إلى درجة “المثقف”، فأولى خطوات نجاح المترجم أن يكون صاحب فضول للمعرفة وحب الاستطلاع.
  • امتلك أدوات البحث والمصادر اللازمة، ليتمكن المترجم من أداء عمله باحترافية، لابد وأن يمتلك أدوات ومصادر بحث موثوق منها، لإيجاد المعاني الدقيقة.
  • الدراية التامة بأهل البلد الذي يترجم منه، فإن كان المترجم عمله مع اللغة الألمانية مثلا، فعليه أن يطالع أهل تلك اللغة والبلد وعاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم وأخبارهم، وأن يأخذ أصل اللغة من السكان الأصليين.
  • رتب عملك ووقتك، تتطلب مهنة المترجم إلى الجهد الكبير والوقت الطويل لإنجاز المهام، فرتب أولوياتك ومهامك ونظم وقتك على تلك المهام، لتحقق إنجاز ملموس.
  • تنمية المهارات الأخرى الضرورية، إن كنت مترجما لابد وأن تكتسب مهارات عدة مع المهارة الأصلية وهي الترجم، كأن تستخدم الحاسب الآلي والإنترنت والأدوات التكنولوجية الحديثة التي تساعد في الترجمة، كما من الضروري تنمية المهارات الذهنية مثل الحفظ والاستذكار لقواعد اللغة ومفاهيمها ومصطلحاتها.

والعنصر الأساسي الذي يساهم في تطور مهاراتك كمترجم هي التعلم المستمر والتطوير، فعند ممارسة التدريب المستمر والتعلم يسهم ذلك في تعزيز الابتكار والإبداع والتنمية المهنية في عصر التطور التكنولوجي الحالي، فيشهد عالم الترجمة تطورا سريعا بسبب برامج الترجمة الآلية المنتشرة، والذي يتطلب تطوير المهارات بشكل مستمر وسريع لمواكبة هذه التطورات.

كما يساعد التعلم المستمر في تطوير مهارات الترجمة لديك، من خلال الاطلاع على المعارف والثقافات الجديدة التي لاسيما تفيدك في عملك كمترجم لأي لغة.

تكوين شبكة علاقات جيدة في مجال الترجمة

إن أهم شئ في أي مجال عمل، أن تحرص على بناء العلاقات الاجتماعية الجيدة في مجالك، وفي مجال الترجمة يعد هذا مهم أيضا، ولبناء شبكة علاقات جيدة يمكنك أن تتبع تلك الخطوات:

  • تودد إلى عملائك، فبعد انتهائك من مشروع مع عميل ما، احرص أن تترك طابعا إيجابيا لديه واختر أسلوب التودد في التعامل واحرص على تلبية احتاجات العميل بشكل سريع وكما يطلب لكسب ثقته.
  • السرعة في الرد، كل ما يريده العميل منك هو السرعة في رد الفعل والردود الفورية، سواء كان عبر الهاتف أو بالبريد الإلكتروني، حتى يخلق ذلك بينكما علاقة ودية قريبة وثيقة.
  • أن تقدم إلى عملائك خدمة ترجمة احترافية كما ينبغي، وأن تصل إلى مرحلة تفوق توقعات عملائك فيك، فعليك أن تقدم محتوى جيد ذو جودة عالية، فضلا عن أسلوب التعامل مع عميلك، فتكون قدمت له خدمة متكاملة الأركان مريحة له تحقق مطلباته، ليعود العميل لطلب منك مشاريع أخرى.
  • كن مرن في التعامل، فالمرونة هي مفتاح النجاح لعملاء الترجمة، فيختلف طلب كل عميل عن الأخر، فمنهم من يطلب الترجمة الفورية ومنهم من يطلب الترجمة الأدبية أو العلمية أو الفنية، فلابد وأن تكون قادر على تقديم كل أنواع الترجمة بمرونة ولا تقف عند نوع واحد فقط.
  • اتباع آليات الدعم القوي مع العملاء، فعليك كمترجم أن توفر كل أساليب الدعم لعملائك، من خلال توفير له المستند المترجم بالطريقة التي تناسبه، أو توفر له آلية دفع مناسبة.

كيف يمكننا الاحتفال باليوم الدولي للترجمة؟

في اليوم الدولي للترجمة، يمكننا الاحتفال بأكثر من طريقة سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي، فيمكنك كشخص أن تحتفل باليوم الدولي للترجمة بمفردك من خلال تعلم لغة جديدة، مما يتيح لك التواصل مع أشخاص جدد وفهم ثقافات مختلفة، أو قراءة أعمال أدبية مترجمة للتعرف على ثقافات جديدة وتجارب إنسانية غنية، أو يمكنك التطوع في مجال الترجمة، مثل ترجمة الوثائق الطبية أو التعليمية.

ويمكن للمدارس أن تحتفل بهذا اليوم الدولي بإقامة مسابقات الترجمة بين الطلاب وتشجيعهم على المشاركة في تلك المسابقات، أو إقامة ورش عمل ومحاضرات وندوات للطلاب لتعريفهم بمجال الترجمة وأهميتها وتشجيع الطلاب على الانغماس في هذا المجال لما له من مستقبل باهر.

وعلى المستوى المجتمعي، يمكن للمنظمات أن تعد المؤتمرات والندوات والمعارض للتعريف بمجال الترجمة وأهميتها، أو تنظيم المبادرات التي تستهدف الاحتفال بكبار المترجمين الذين أثروا في عالم الترجمة والتعريف بإنجازاتهم.

وفي الختام، وبعد عرض كوكب المعرفة لأهم النقاط المتعلقة بعالم الترجمة تزامنا مع اليوم الدولي للترجمة 30 سبتمبر، نرجو أن نكون قد حمسناك عزيزي القارئ لعالم الترجمة ودخوله، وإن كنت حقا متحمسا لهذا المجال اتبع الخطوات والنصائح التي ذكرناها أعلاه لتضمن الدخول بنجاح واحترافية.

وشاركنا عزيزي القارئ كيف ستحتفل باليوم الدولي للترجمة على طريقتك الخاصة؟

مقترح لك ...