هل الفقر هو السبب الوحيد للجريمة؟
تحليل شامل للعوامل المؤثرة
كتبت: ندى علاء
دائما ما تسمع عن مصطلح الفقر والجريمة المترابطان، بدون معرفة السبب وراء تلك العلاقة، وفي هذا المقال سوف نتناول العلاقة بين الفقر والجريمة والأسباب المؤدية للجريمة وطرق الوقاية من الجريمة داخل المجتمعات.
الفقر هو حالة لا يستطيع فيها الفرد تأمين قوت يومه واحتياجاته اليومية الضرورية، وحتى تحقيق الحد الأدنى من مستوى الحياة.
والجريمة ما هي إلا فعل نابع من الفرد مخالفا بذلك القيم المجتمعية والشعور الجمعي، فهي أفعال تتعارض مع المبادئ والأفكار السائدة في المجتمع.
ولتعريف الجريمة تفصيلا أكثر، فعرفها العالم الألماني “أهرنج” أن الجريمة هي أي فعل ينطوي منه تعريض حياة الجماعة للخطر.
ويعرفها العالم الإيطالي “غارا” بأنها فعل يتعارض مع المبادئ الأخلاقية في المجتمع، كما يعرفها “إميل دوركايم” بأنها الفعل الذي يتعارض مع القيم والأفكار المستقرة في وجدان الجماعة.
الفقر والجريمة
ومن أبرز الجرائم شيوعا في المجتمعات الفقيرة، “جريمة السرقة” بنوعيها الجنحي والجنائي، وهي محاولة تحصيل المال لإشباع الحاجات والغرائز، أو لتحقيق مبدأ “الغنى”، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الجرائم وهي تعاطي المخدرات والإتجار بها، والتي تؤدي وبلا شك إلى ظهور “جريمة القتل”.
والجريمة من منظور علماء النفس، هي لبست ظاهرة اجتماعية خالصة أو مادية أو قانونية خالصة، إنما هي فعل إنساني سلوكي ينفذه الفرد ويتحمل عواقبه عند توافر الحرية والإرادة والاختيار.
ونظر علماء النفس إلى أن السلوك الإجرامي له جانبين، الأول أنه سلوك غريزي يهدف لإشباع الغرائز، والأخر أنها سلوك لاإرادي نابع من الصراعات النفسية المكبوتة في اللاشعور، وبالتالي هي انعكاس لما بداخل شخصية الفرد من مرض نفسي، الذي يعبر عن صراعات انفعالية لا شعورية.
الفقر والجريمة.. متلازمان
وكلما شعر الفرد بالفقر في مجتمعه، بأنواع المختلفة “اجتماعي/ ثقافي/ اقتصادي”، كلما لجأ إلى الجريمة بأنواعها المختلفة، فيمكن أن يشعر الفرد بالفقر الثقافي، فمثلا هناك بعض الأعمال والوظائف التي يبتعد عنها الفرد بسبب “ثقافة العيب” أو “أعراف المجتمع”، والذي يؤدي للعزوف عن المهن التي توفر لصاحبها دخلا كافيا تمكنه من إعالة الأسرة، بالرغم من أن جميع الوظائف والأعمال مادامت بالحلال فهي ليست “عيبا”، وبالتالي فيؤدي الفقر الثقافي لتدني مستويات المعيشة والوصول إلى طبقة الفقر.
ويمكن أن يشعر الفرد بالفقر الاجتماعي، من حيث عدم توافر المقومات الطبيعية للعيش وسوء الحالة المعيشية، بجانب شعوره بالتعرض للاضطهاد أو العنصرية أو التمييز.
كما هو من المؤكد شعور الفرد بالفقر بسبب مستواه المادي المتدني، الذي لا يوفر له أي احتياج من احتياجات الأساسية البسيطة التي فقط تساعده على البقاء على قيد الحياة، فيلجأ للجريمة بلا شك لتحقيق أهدافه وإشباع غرائزه.
الدراسات والأبحاث
- كشفت دراسة العلاقة المعقدة بين الظروف الاقتصادية والعنف وخاصة جرائم القتل، ويستون ماكون، قسم الأنثروبولوجيا جامعة يوتا، أن بعض الولايات التي تحصد أعلى مستويات الفقر وعدم المساواة في الدخل، هي التي شهدت أعلى معدلات لجرائم القتل، في أخر ثلاثين عاما. وهو الأمر الطبيعي لترابط الفقر والجريمة ببعضهما في المجتمعات المختلفة.
وشدد “ماكول” على ضرورة تفكيك هياكل العنصرية للوصول إلى الموارد لخفض معدلات الجرائم.
- وفي دراسة العلاقة بين معدل الجريمة وخط الفقر، كشفت نتائج الدراسة أن العلاقة واضحة بين الفقر والجريمة من خلال الاطلاع على نتائج البيانات، مشيرة إلى أن الارتباط بينهما لا يعني بالضرورة وجود علاقة سببية، وأن النشاط الإجرامي لا يتأثر فقط بالفقر لكن هناك العديد من العوامل الأخرى.
- دراسة أثر المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية على جرائم الأحداث،هاني محمد السيد علي، خالد عيد عبدالمنعم عبدالفتاح، أكدت هذه الدراسة أنه عند رصد العلاقة السببية بين جرائم الأحداق ومعدل البطالة والعامل الجيني، ومعدل الالتحاق بالتعليم، فإن ذلك ما يؤكد على أن البطالة هي أحد العوامل المحددة لجرائم الأحداث في مصر، فيما وجدت الدراسة أن زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ومعدل الالتحاق بالتعليم، يؤدي إلى انخفاض معدل جرائم الأحداث.
- وأكدت دراسة الفقر في الأردن وعلاقته بالجريمة – من وجهة نظر المحكومين في مراكز الإصلاح والتأهيل، أمين جابر الشديفات، مجد الدين خمش، وجود علاقة قوية بين الفقر والسلوك الإجرامي والتوجه نحو الجريمة في المجتمع الأردني، وذلك يفسر أن الأسر لا تستطيع تحقيق الحد الأدني من متطلبات الحياة بسبب الظروف المادية، مما يدفعهم لارتكاب الجريمة لسد احتياجاتهم من مأكل وملبس.
- استنتجت دراسة الفقر والسلوك الانحرافي، عالية بشيرة، كلية الآداب والعلوم الاجتماعية جامعة الجزائر، طبعة سعاد جامعة الجلفة كلية الآداب والعلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة الجلفة، أن ظاهرة الفقر نسبية من مجتمع لأخر، فلابد من الأخذ بعين الاعتبار ظاهرة الفقر وما ينتج عنها من سلبيات وخلل اجتماعي مثل الانحراف واللامعيارية.
العوامل المؤثرة التي تربط بين الفقر والجريمة
هناك عوامل وأسباب كثيرة يمكن أن تؤدي إلى الجريمة وزيادة معدلاتها في المجتمعات، وهناك نوعين من العوامل، عوامل تابعة للمجتمع “عامة”، وعوامل شخصية “خاصة بالفرد”.
العوامل العامة
- العوامل الاجتماعية: وتتمثل في الفقر والجهل والبطالة، فعندما تصيب أحدهم الفرد فتوسوس النفس بما هو خاطئ للتخلص من الإحساس بالألم والبحث عن الراحة في السلوك الإجرامي.
- العوامل الاقتصادية: يؤدي الفقر وارتفاع الأسعار، وقلة الموارد المعيشية، إلى دفع الفرد للإجرام وتكرار الجريمة عدة مرات من منظور أن ذلك طبيعي، للتغلب على التحديات الاقتصادية التي تواجهه التي يتم إشباعها وسدها بما يخرج من الإجرام.
- العوامل الثقافية: يؤدي انفتاح المجتمع على المجتمعات الأخرى الغير متشابهة في الأعراف والتقاليد إلى التأثر بالسلوك الإجرامي الذي يسمع عنه في المجتمعات الأخرى، وتقليده.
العوامل الخاصة بالفرد
تكثر العوامل التي تخص الفرد التي تربط بين الفقر والجريمة، ومن أبرزها:
- نقص الوازع الديني، يؤدي فقر الوازع الديني الناتج عن عدم التثقيف في علوم الدين الصحيحة، إلى العديد من السلوكيات الإجرامية الغير مسموح بها في الدين.
- الأسرة التي نشأ فيها، فمن الطبيعي أن يتطبع الفرد بطباع من حوله من أفراد عائلته والمحيطين به، فإذا كانت الأسرة تحمل سلوك الجريمة بين أفرادها، فيجد الفرد نفسه قريبا منها فينخرط فيها برغبته ويكررها كثيرا.
- البيئة الاجتماعية، مثل الحي الذي يسكن فيه، والمدرسة التي نشأ فيها، وبيئة العمل الذي يعمل فيه، والأصدقاء من حوله، فكلما كانت هذه البيئة تفتقر للمبادئ والأخلاق والقيم، ويغلب عليها طابع الفساد، فيتأثر الفرد بها مما يدفعه للجريمة.
- أسباب ثقافية خاصة بالفرد، فالمستوى العلمي والثقافي ونوعية الثقافة التي حصل عليها الفرد تؤثر على شخصيته الإجرامية، فتدني المستوى الثقافي يجعله جاهلا بعواقب الجريمة عليه، كما أنه لو كانت ثقافة الفرد ذات طابع إجرامي فذلك يدفعه نحو الجريمة بسهولة.
- حب السيطرة وتحقيق الذات، يرى البعض أنه عندما يرتكب الجرائم فهو يذلك أقوى من غيره ويستطيع تخويف نت حوله وأخذ حقوقه من الجميع.
- الكره والحقد، يمكن أن يولدا مشاعر غضب كبيرة عند الفرد مما يدفعه للانتقام من شخص معين لأي سبب وبأي طريقة.
- حب الفضول والتجربة، فيمكن أن يميل الشخص إلى تجربة الأشياء غير التقليدية وغير الطبيعية من باب التجربة فقط، لكنه يجد نفسه ينخرط بالسلوك الإجرامي.
- تعاطي المخدرات، فتعود 70٪ من الجرائم إلى متعاطين المخدرات، وذلك لما يؤثر عليهم وعلى صحتهم العقلية، أو أنهم يتمكنوا من فعل أي شئ للحصول على المخدرات، بالسرقة أو القتل.
الوقاية من الجريمة
الوقاية العامة
- حماية الأسرة، يكتسب الفرد من أسرته ثقافاتها وعادتها وتقاليدها التي تبني شخصيته، والتي تتأثر بكل ما يحيط به، فالعائلة المفككة المخلخلة هي التي تربي أجيالا منحرفة مستعدين لأداء الجريمة، على عكس الأسرة السليمة المتماسكة التي تنتج أجيالا قوية بعيدا عن الجريمة.
فعلى مؤسسات المجتمع ومكاتب الخدمات الاجتماعية دعم الأسرة بالمقومات التي تحميها وترشدها، وحل كل المشاكل لإبعاد الجريمة عن المجتمع. - المدرسة، للمدرسة دورا كبيرا في منع الجريمة عن الفرد، لما يقضيه فيها من وقت طويل، فهو المكان الذي يعلمه ويثقفه ويبني شخصيته الاجتماعية، ويعلمه السلوك القويم المطابق للقوانين.
- الإعلام، لابد أن تلعب وسائل الإعلام دورها في توجيه الرأي العام وتوعيته بمخاطر الجريمة والتحدث عنها تفصيلا، حتى يتم التأثير على عقول الأفراد والابتعاد عن الجريمة.
- تأهيل الفرد والحد من البطالة، لابد من توفير سياسات تؤهل الفرد لشغل أحد الوظائف التي تعينه على الحياة بالحلال، وتوفير فرص العمل.
الوقاية الخاصة
والتي تتمثل في الجهود الفردية للشخص، وهي وضعه في موقع التحفظ بكل ما يحيط به من مخاطر وتجنب الجريمة، فعلى الفرد أن يستغل كل الموارد المتاحة التي تبعده عن احتمالات تنفيذ الجريمة أو قربه منها.
تجربة الولايات المتحدة في خفض معدل الجريمة
أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن، انخفاض معدلات الجريمة والعنف في الولايات المتحدة، فقد أصدرت منظمة رؤساء الشرطة من جميع أنحاء المدن الكبرى، بيانات تظهر أن جرائم العنف انخفضت في كل فئة في النصف الأول من عام 2024.
وانخفضت نسبة جرائم القتل 17٪ ، وذلك ما يعد أكبر انخفاض على الإطلاق في معدل جرائم القتل على المستوى الوطني العام الماضي.
وأوضح الرئيس الأمريكي أن ذلك نتيجة لخطة الإنقاذ الأمريكية التي أعدها، حيث تم استثمار 15 مليار دولار للمدن والولايات في السلامة العامة ومنع العنف، وإبقاء رجال الشرطة على اطلاع دائم مع قادة المجتمع لوقف الجريمة ومنعها.
بالإضافة إلى تشريع العنف المسلح الذي وقع عليه منذ 30 عاما، والذي يقضي بإبعاد الأسلحة عن الأيدي الخطيرة، من خلال توسيع عمليات التحقق من الخلفية ومساعدة الولايات على تنفيذ قوانين العلم الأحمر.
نصائح لإبعاد الفرد عن الجريمة
- إهتمام الأسرة بتربية أبنائها تربية سليمة وسوية، بعيدا عن العنف والقسوة.
- من الضروري ربط الأطفال بالمساجد والقرآن لتعليمهم الشرع والتعاليم الإسلامية التي تبني شخصيتهم.
- منع مشاهدة أفلام العنف والقتل حتى لو كان بالرسوم المتحركة، وإبعاد الطفل عن الألعاب العنيفة.
- الاهتمام بالرياضة البدنية للأطفال، وتحديد وقت معين لاستخدام الهاتف المحمول.
- تكثيف حملات التوعية الدينية عن حرمانية قتل النفس، وحملات توعية للأسرة عن أسلوب التعامل الصحيح من الأبناء في مختلف المراحل العمرية.
- ملئ فراغ الأطفال في الأشياء المفيدة، كغمرهم في المشروعات الصغيرة ودعمها من المجتمع.
- ويمكن تنظيم الرحلات الصيفية التربوية الترفيهية التي تغرس القيم والمفاهيم الإيجابية لديهم.
- تشديد الدولة على عقوبة الإجرام التي تصل للإعدام، وعدم معاملة البالغ من العمر 18 كأنه طفل.
- الحد من عرض الأفلام والمسلسلات التي تعكس سلوك الجريمة وغرسها في نفس الفرد.
- تربية الطفل على حل مشكلاته بهدوء وبدون انفعال، والاستماع إليهم ومساعدتهم في الحل.
- أن تتضمن مناهج التعليم دروسا عن التسامح والقيم الحميدة.
- توعية وسائل الإعلام بخطورة الجرائم والعواقب وتصميم الحملات الإعلامية للتوعية بخطورة العنف والقتل.
وختاما، وبعد فهم العلاقة بين الفقر والجريمة والعوامل المؤثرة على كليهما، لابد من التفات الأسرة لدورها في تنشئة الأبناء وتهيئة الظروف المناسبة من حوله، والابتعاد عن أجواء التي تحفها المخاطر المرتبطة بالجريمة.
وعلى المجتمع أن يعي بدوره في عملية الوقاية من الجريمة وتحسين ظروف المعيشة وتوفير فرص العمل والحد من البطالة، لتختفي معدلات الفقر مما يقلل من معدلات الجريمة في المجتمع.
قدم لنا عزيزي القارئ التجارب التي حدثت أمامك بشأن العلاقة بين الفقر والجريمة، وانقل لنا خبراتك.