معنى المعاناة .. لماذا أنت بالتحديد؟!
كتبت ندى علاء
جميعنا نواجه العديد من الصعوبات ونعاني من المشكلات، لكن يغيب عنا معنى المعاناة ومغزاها في حياتنا.
فالمعاناة هي تجربة شخصية عندما يشعر الشخص أنه غير سعيد، بسبب ألم جسدي أو مرض يسيطر عليه أو أسباب نفسية، أو فقدان أحد المقربين.
ويمكن تقسيم المعاناة إلى أمور بسيطة أو غير محتلمة، ويرجع ذلك التقسيم إلى تقدير الشخص لحجم المعاناة التي يعانيها.
أشكال المعاناة
تختلف أشكال المعاناة حسب أصلها وسببها وطبيعتها ومغزاها، وشخصية الفرد والثقافة المرتبطة به، ويتم تصنيف المعاناة كمادية أو عقلية، وتأتي في درجات مختلفة من خفيفة إلى معاناة لا تطاق.
وتختلف ردود الأفعال والمواقف تجاه المعاناة التي يعانيها الشخص، وفقا لإمكانية تجنب تلك المعاناة أو التعايش معها، أو أنها مجدية أو غير مجدية.
تتعد أشكال المعاناة تبعا لطبيعة حياة كل شخص، فمن يعاني من فقد حبيب أو قريب، ومن يعاني ويتألم للأخرين وما يحدث لهم من قتل وسفك وجوع، ومن يعاني من مرض صعب شفاؤه، ومن يعاني من ظلما وقهرا.
ومن يعاني من صراعاته الداخلية، ومن يتألم ويعاني من الجهل والفشل في رفعه، ومن يعاني من محاولاته المستمرة التي تبوء بالفشل، ومن يتألم من عدم قدرته على قول ما يألمه، كل تلك من أشكال المعاناة التي يمكن أن تواجه الإنسان في حياته.
أسباب المعاناة
تكمن أسباب معاناة الإنسان في مواجهة فشل في تحصيل العلم، أو مرارة أخذ الأدوية لمرض معين، أو ألم الولادة، أو ألم العضلات الناتج من ممارسة الرياضة، وهنا يبرز معنى المعاناة والألم، فهم الوسائل الوحيدة والمناسبة لارتقاء الإنسان وسعادته، وهذا ما سنشرحه في هذا المقال.
ويمكن أن تتجسد المعاناة على هيئة فقدان شخص قريب، فهنا يجب أن يكون التعلق ليس بالأشخاص، إنما بما يحمله الأشخاص من معاني لا تفنى بزوالهم.
فيجب فهم المغزى والمعنى من فقدان شخص قريب، وإدراك أن لا شئ يحدث في العموم إلا بسبب هو خيرا للشخص.
فرب العالمين لا يأخذ شئ من شخص لرؤيته يعاني أو يتألم، بل يأخذ منه ليمنع عنه الأذى، أو ليختبر صبره على الشدائد والصعاب، فإذا صبر الشخص أعطاه الله أضعافا مضاعفة.
وعلينا التذكر دائما، أن الله خلقنا وسط نعم لا تعد ولا تحصى دون أن نفعل شئ نستحق من أجله كل تلك النعم، فإن كان معنى المعاناة بالنسبة لنا هو فقد نعمة من تلك النعم.
ألا يجب علينا أن نحمد الله على بقاء باقي النعم، بدلا من السخط على فقد شئ، والإيمان بأن الله يفعل الخير لنا دائما.
كما يجب التحلي بالأمل والصبر على الشدائد، وفهم المعاناة التي يمر بها الإنسان، ويعمل على أن يتخطى تلك المحن والتعامل معها بذكاء.
معنى المعاناة
يتناول الدكتور النفسي فيكتور فرانكل في كتابه “الإنسان يبحث عن المعنى” تجربته القاسية والمذلة التي عاشها في الاعتقالات النازية، بعد فقدانه كل عائلته نتيجة الظلم والقتل.
وبتجربته المريرة، عرف فرانكل معنى المعاناة وأهميتها، واكتشف العلاج بالمعنى لأول مرة في الطب النفسي.
وفي داخل المعتقل الذي كان فيه الدكتور فرانكل، كان يعيش واحدا من كل عشرين معتقل وفقا للإحصائيات، وكان أغلبهم يلجأون للانتحار من شدة معاناتهم وعدم تحملهم أساليب القهر والتعذيب التي كانوا يرونها كل يوم في المعتقل.
لكن عندما كان يتحدث فرانكل مع المعتقلين ويسألهم لماذا لم تنتحروا، فكانت الإجابات تتمحور حول الأهداف الغائية، أي الأهداف التي تشكل معنى لهم وتمدهم بالأمل وتعطى معنى للمعاناة التي يعانونها، فيستمروا بذلك الأمل والصبر في مقاومة ما يرونه في المعتقل.
أهمية إدراك معنى المعاناة
وحكى فرانكل في كتابه، عن لجوء أحد أصدقائه له في استشارة نفسية، لأنه يعاني من الاكتئاب بسبب وفاة زوجته، فسأله فرانكل “ما الذي كان سيحدث إذا كنت مت أنت بدلا من زوجتك وهي التي كانت تعيش حتى الآن؟”
فجاوب عليه صديقه وقال له “كانت سوف تتألم كثيرا وتعاني من مرارة الفقد” حينها وجه له فرانكل الحديث وقال “إنها كذلك ستعيش نفس المعاناة واللوعة التي أنت تعيشها الآن، لكنك من تعيشها حاليا من أجلها” فانصرف صديقه في سكوت وهدوء تام، وذلك لأنه أدرك معنى المعاناة التي يمر بها ومغزاها وهي التضحية من أجل الأخرين.
فنحن عندما ندرك معنى المعاناة التي نواجهها في حياتنا وهدفها نشعر بالراحة والطمأنينة ونعيش المعاناة بدون سخط، لكن باستمتاع وتقبل للواقع.
وعلى النقيض، عرض فيلم Shawshank redemption معنى المعاناة وتأثيرها علينا بطريقة أخرى، فتناول قصة أحد المساجين الذي تم الإفراج عنه بعد أكثر من ثلاثين عاما من الاعتقال، ليجد السجين نفسه قلقا ومرتبكا ارتباكا شديدا، لا يعرف ماذا يفعل وكيف يتصرف بكل تلك الحرية التي يتمتع بها الآن.
فكان قد اعتاد السجين على حياة السجن والمساجين وبيئتهم، ولا يعرف المعنى والجدوى من المحاولة، لكنه حاول الاختلاط بالناس وإيجاد عمل ينشغل به.
لكنه لم يجد المعنى والهدف من ما يفعله والذي يجعله مستمرا، والذي كان فاقدا له من البداية، فانتهى به الأمر بالانتحار شنقا.
المرونة النفسية والتعامل مع المعاناة
المرونة النفسية تتمثل في الجهد الذي يبذله الشخص للتغلب على معاناته ومشكلاته والصعوبات التي تواجهه، وهي القدرة على تعزيز القوى الشخصية لمواجهة الصعاب.
فالمرونة النفسية لا تقضي على التوتر والمعاناة التي يواجهها الشخص، لكنها تعطي القوة لصاحبها للتعامل مع المشكلات والألم والصعوبات، للاستمرار في الحياة.
كما تقلل المرونة النفسية من المواقف الصعبة وآثارها على الشخص، فتسهل عليه التكيف وإمكانية العيش تحت أي ظرف.
خصائص تساعد على تكوين المرونة النفسية
- الثقة بالنفس، وتشير إلى إيمان الشخص بقدراته.
- الاعتدال والتوازن، بمعنى أن يكون اكتساب الخبرات والتقدم في الحياة متوازيات مع بعضهما.
- التصميم والاستمرار، ويشير إلى الرغبة في استمرار الحياة مهما كانت الظروف.
- فهم المعنى، وتعني بأن يكون الشخص مؤمنا بأن الحياة لها هدف.
- القبول والتسامح، وهو الفهم بأن مسار الحياة يتقدم بطريقته الخاصة.
نصائح للتعامل مع المعاناة
وحتى يستطيع الفرد التعامل مع المعاناة والعيش معها بسلام، وتعزيز المرونة النفسية، فعليه اتباع بعض النصائح:
الإحساس بالمعنى والإلتزام
فيشعر الفرد بالهدف والمعنى عندما يشارك بنشاط في الأحداث اليومية، مما يزيد من الشعور بالالتزام والقوة والمرونة.
وبإسناد المعنى للأسرة والعلاقات الاجتماعية والقيم والتمسك بها، يزيد من فهم قيمة المعنى في حياته.
ونجد الفرد صاحب الالتزام العالي، يهتمون بالأحداث والأشخاص من حولهم، لإعطاء حياتهم معنى.
الشعور بالسيطرة
عندما يواجه الشخص الصعوبات والمشكلات، وعند إدراكه بأنه يستطيع توجيه الأحداث والتعامل مع الصعوبات وتغيير الأفكار والسلوكيات، بدلا من الاستسلام للصعوبات.
فهنا يبدأ الشخص في بذل الجهود الإيجابية حتى يحسن من حياته ويصل للنتائج المرضية.
تحدي الحياة والصعوبات
فعندما يدرك الشخص أنه يستطيع تغيير ظروفه والتغلب على الصعوبات، والتكيف مع الحياة، فبالتالي يتأكد من إحداث تغيير لتقدم الحياة.
أساليب تقوية المرونة النفسية للتغلب على المعاناة
التواصل مع الأحباء، ومع من تثق بهم، ليزيد إحساسك بالثقة.
التصرف بعد تفكير، بدلا من ردود الأفعال المفاجأة التي تكون في المواقف الموترة، وطريقتك لاتخاذ القرار تمنحك الوقت لفهم المشكلة والتغلب عليها بشكل صحيح.
- حاول تهدئة نفسك بالطريقة المناسبة لك.
- عبر عن مشاعرك بالطرق المختلفة ككتابة مذكراتك أو الرسم أو التحدث لشخص ما.
- استمع لموسيقتك المفضلة التي تعطيك الشعور بالراحة والأمان.
- أرخي عضلاتك، عن طريق التمارين المختلفة مثل تمارين التنفس.
- احمي نفسك من المواقف والأشخاص الذين يؤذونك.
- أطلب المساعدة عند الحاجة، فلا يعد ذلك ضعفا، إنما هو جزءا من البحث عن حلول لمشكلاتك.
كتب عن المعاناة والأمل
كتاب خراب: كتاب عن الأمل
من تأليف مارك مانسون، يناقش فيه التحديات البشرية في العصر الحالي، ليأخذنا في رحلة فلسفية للبحث عن الأمل والمعنى وسط عالم محطم ومحبط.
كما ركز مانسون على مفهوم الأمل كعنصر أساسي لحياة الإنسان، والكشف عن مصدر الأمل الإيجابي والسلبي.
كتاب بين ألم وأمل
تأليف رغدة القدسي، وفيه قدمت الكاتبة عددا من القصص القصيرة ذات الحكمة والعبرة والتي تمثل عنوانا للأمل.
ويعد الهدف من ذلك الكتاب انبعاث الأمل في نفس كل قارئ.
وأطلع عزيزي القارئ على كتاب “الإنسان يبحث عن المعنى” لفرانكل، حتى يتثنى لك فهم المعنى من كل شئ من حولك لتسهيل العيش في ظروف الحياة المختلفة.
وأخيرا، لابد من فهم معنى المعاناة في حياتنا جيدا، والمغزى منها، حتي نتمكن من العيش والتعامل مع أي ظروف وألم في حياتنا.