Menu Close

قصيدة نعم .. أنا السجين فى نفسي لا أملك الهرب

نعم .. أنا السجين فى نفسى لا أملك الهرب


هذه القصيدة صرخة وجدانية صادقة، تُعبّر عن حيرة الإنسان وضعفه في مواجهة الحياة، وعن صراعه الداخلي مع الخوف، الأمل، والزمن. هي اعترافات شاعرية ناعمة، تنبع من القلب وتصل إلى كل من ذاق طعم التردد والانكسار.

تم تلحين القصيدة وغناؤها بمساعدة الذكاء الإصطناعي .. يمكن مشاهدتها هنا

نعم - سامح عبد الهادي
نعم – سامح عبد الهادي

نَعَمْ…!

خَوْفٌ يَسْكُنُ الجَوَانِحَ ما يَوْمًا غَفَا

وَالدَّهْرُ يَأْكُلُ فِينَا وَأَبَدًا ما اكْتَفَى

وَالعُمْرُ لَيْلَةً وَضُحَاهَا وَصَحْوَةً وَكَفَى

وَالأَمَلُ مُنَافِقٌ كَمْ وَعَدَ وَما وَفَى


نَعَمْ…!

إِنِّي ما زِلْتُ أَفْتَقِدُ السَّلَامَ

ما زِلْتُ أَحْمِلُ عَلَى ظَهْرِي ضَعْفًا وَأَحْلَامًا

ما زِلْتُ مَشْلُولَ الأَيْدِي مُقَيَّدَ الأَقْدَامِ

أَحْمِلُ أَلْفَ كِتَابٍ.. أَلْفَ سُؤَالٍ..

أَلْفَ عَلَامَةِ اسْتِفْهَامٍ


نَعَمْ…!

قَدْ شَاخَ العُمْرُ فِينَا فَمَاتَتِ الحَيَاةُ

نَكْذِبُ عَلَى أَنْفُسِنَا بِأَمَلٍ لا نَرَاهُ

نُلَمْلِمُ أَشْلَاءَ العُمْرِ مِنْ شَتَّى خُطَاهُ

وَنَعُودُ نَبْحَثُ عَنَّا وَكَأَنَّنَا لا نَفْهَمُ الحَيَاةَ


نَعَمْ…!

أَنَا لَمْ أَعْرِفْ يَوْمًا كَيْفَ يَكُونُ المُسْتَحِيلُ

كَيْفَ أَصْنَعُ مِنْ تُرَابِ الأَرْضِ ثَوْبًا جَمِيلًا

لَكِنِّي لا حِيلَةَ، لي … لا خِيَارًا بَدِيلًا

أَعِيشُ عُمْرِي فِي الصَّحْرَاءِ

مُحَاوِلًا زَرْعَ النَّخِيلِ


نَعَمْ…!

أَنَا السَّجِينُ فِي نَفْسِي لا أَمْلِكُ الهَرَبْ

أَعْشَقُ السَّيْرَ حَتَّى أَذُوبَ مِنَ التَّعَبْ

أَكْذِبُ دَوْمًا رَغْمَ أَنِّي أَكْرَهُ الكَذِبْ

وَأُعَاتِبُ نَفْسِي رَغْمَ أَنِّي لا أَفْهَمُ العَتَبْ

نَعَمْ………!!!


ما أجمل أن تلتقي الكلمة الصادقة مع الحسّ العميق، وأن تنبع القصيدة من قلبٍ يُصارع الحياة فلا يُخفي ضعفه، ولا يُزيّف وجعه، بل يقدّمه كما هو: عارياً من المجاملة، مبللاً بندى الشك والأسئلة. قصيدتك “نعم!” هي وثيقة وجدانية، تسير على حافة البوح والانكسار، وتتّخذ من التكرار وسيلة لإعلان موقف وجوديّ داخلي، فيه من الصدق ما يجعل القارئ يشعر أن الصوت الآتي من بين السطور هو صوته هو أيضًا.

فيما يلي قراءتي النقدية الشاملة:


البنية الفنية والتكرار البنائي: “نعم…!”

تُفتتح كل مقطع من مقاطع القصيدة بهذه الكلمة الواحدة: “نعم…!”
هذه البداية البسيطة تحمل في طيّاتها الكثير: تأكيدًا مرًّا، لا قبولًا مطمئنًا؛ إنها “نعم” الموجوعة، لا “نعم” الراضية. هذا التكرار البنائي يُضفي إيقاعًا داخليًا، يشبه طرقات على باب وعي القارئ، أو تنهيدات تتكرر مع كل فقرة من الألم.

تشكّل هذه “النعم” رابطًا بنيويًا بين المقاطع، وتُعطي القصيدة بُعدًا دراميًا وتراكميًا؛ فكل “نعم” تفتح بابًا جديدًا من الاعتراف، أو ممرًا آخر نحو الذات الممزقة.


اللغة والصور الشعرية

اللغة هنا بسيطة لكنها مشحونة، والقصيدة تبتعد عن الزخرفة اللفظية لتُلامس جوهر الإحساس. استخدمتَ تراكيب مألوفة، لكنك شحنتها بدلالات متجددة. على سبيل المثال:

  • “خوف يسكن الجوانح”: استعارة موفقة توحي بأن الخوف ليس طارئًا، بل مقيمًا في الأعماق.
  • “العمر ليلة وصحوة وكفى”: تلخيص مرّ للعمر، بحكمة تقطر من التجربة.
  • “أعيش عمرى فى الصحراء / محاولا زرع النخيل”: هذه الصورة بالغة الجمال، تلخّص معنى الإصرار في وجه العبث؛ النخيل رمز للثمر والكرامة، لكنه لا ينمو إلا في الصعب، وهذا ما يحاول الشاعر تحقيقه في أرضٍ جرداء.

الصور إذًا ليست معقدة، لكنها دقيقة وموحية، تنبض بالمفارقة والصدق.


الموضوع والرسالة

القصيدة تنتمي إلى شعر الوجدان والقلق الوجودي، حيث يعبّر الشاعر عن صراع داخلي، فقدان المعنى، ضعف الحيلة، ومفارقة الأحلام. نحن أمام صوت يُعبّر عن جيلٍ تائه أو روحٍ مستنزفة في معركة صامتة.

بعض القضايا الجوهرية التي لامستها القصيدة:

  • الزمن العابر ومرارة الفقد (“العمر ليلة… وكفى”).
  • انكسار الأمل (“الأمل منافق”).
  • اغتراب الذات (“نعود نبحث عننا”).
  • الخداع الذاتي والحيرة الأخلاقية (“أكذب دوما رغم أني أكره الكذب”).

هذه ليست أفكارًا عابرة، بل مواقف وجودية يتشارك فيها كثيرون في عالم مضطرب، مما يجعل القصيدة كونية الطابع رغم خصوصيتها الذاتية.


الإيقاع والموسيقى الداخلية

القصيدة لم تتقيد بوزن تقليدي، لكنها حافظت على إيقاع داخلي نابع من التوازي التركيبي والتكرار، مما يُضفي نغمة حزينة منتظمة.
تنوّع أطوال الأسطر أتاح مساحة للتنفس الشعري، ولكنه أحيانًا أربك السلاسة – خاصة في بعض المقاطع التي طال فيها الشرح.

مثلاً:

“أحمل ألف كتاب .. ألف سؤال ..
ألف علامة استفهام”

رغم جمال الإيقاع في هذا التكرار الثلاثي، إلا أنه بحاجة إلى توازن لفظي أدقّ ليحافظ على موسيقيته دون ترهل.


الصوت الشعري والصدق العاطفي

القصيدة تنطق بصوتٍ فرديّ صادق، تشعر أنه يُكلم نفسه أكثر مما يُكلم جمهورًا. وهذا الصدق هو ما يمنحها قوتها. ليست قصيدة استعراضية، بل اعتراف داخلي، وربما مونولوج وجودي عارٍ.


ملاحظات تطويرية خفيفة

  1. التكثيف: يمكن لبعض المقاطع أن تُختصر دون فقدان معناها، لتقليل الترهل وزيادة التركيز.
  2. التنويع الإيقاعي: رغم جمال التكرار، كان بالإمكان إدخال تنويع بسيط في الصيغة لتجنب النمطية.
  3. الإغلاق: نهاية القصيدة جاءت فجّة نوعًا ما (“نعم ………………. !!!”)، وقد يُفضّل أن تُختتم بتعبير شعري يُغني المعنى أكثر من علامات التعجب وحدها.

خاتمة الناقد الملهم 🌿

قصيدتك ليست فقط تعبيرًا عن ألمٍ شخصي، بل نافذة يمكن لكلّ قارئ أن يرى من خلالها ضعفه، حيرته، أو حتى أمله المكسور. هي صرخة ناعمة، فيها من الشعر صدقه لا زخرفته، وفيها من الوجع جماله لا مرارته فقط.

استمر في هذا الطريق – حيث تكتب لا لتنبهر بنفسك، بل لتكون إنسانًا في وجه الزمن.

مقترح لك ...