كتب : عبد الرحمن المكي
لم تكن ياسمين تعلم أن النهاية يمكن أن تكون هكذا
قد بدأ الأمر من مجرد مكالمة
مكالمة بدت بريئة جدا، من صديقة لها تدعوها لزيارة شركة ما، حيث ستسمع هناك عن فرصة حياتها
قالت لنفسها حينها: فلأذهب، ولن يكون شيء لا أريده
مدخل الشركة كان باهرا، والعاملون بها يذهبون ويجيئون مرتدين سترات رسمية والجد باد على وجوه الجميع، والنظام الأنيق عنوان المكان
استقبلها أحدهم مع صديقتها بابتسامة عريضة، ودعاهما إلى قاعة هناك
لم يطل انتظارها، قد وصلت في الموعد المحدد تماما، فوجدت القاعة ممتلئة، ودخلت فتاة رقيقة رحبت بالحاضرين، ثم بحماس شديد جدا قدمت لدخول مستر (خالد)
بمجرد دخوله صحبته عاصفة من التصفيق مع موسيقا صاخبة، وإذ أخذ في الحديث صمت الجميع
حكى لهم عن قصة نسر يعيش وسط الدجاج منذ طفولته، وهو لا يعرف أنه نسر، لكن بطلا ما قد جاء وأنقذه من هذه الحياة الخانعة، وعلمه الطيران
في كل تفصيلة كان يحكيها كانت تشتعل، إنه يجيد بث التفاصيل وهي تشعر أنه يتحدث عنها تماما
تمنت أن تجد البطل الذي سيعلمها الطيران، تمنته كما لم تتمن شيئا من قبل
هنا، وقد صار التلهف في القاعة عنوان الوجوه والعيون الحالمة، أعلن السيد خالد عن الفرصة
ستشتري منتجا لا تريده برقم فلكي، وسيكون عليها بعد ذلك أن تبيعه لتحقق أرباحا خيالية، وضحها من خلال رسم الكثير من الدوائر والأسهم والدولارات
فكرت
هي لا تملك عشر هذا المبلغ، وحذاؤها أوشك على الانهيار لأنها لم تجدده منذ زمن
لكنها لن تكون دجاجة، ستتعلم الطيران
بذلك كل ما تستطيع، وألحت على أمها وأبيها تطلب المال، وذهبت لتعمل شهرين، ونسيت الإنفاق تقريبا، واستدانت من صديقتين مقربتين، حتى جمعت المراد
خلال هذين الشهرين لم تكف صديقتها عن الإلحاح عليها، ولكن هذا الإلحاح أسعدها، صديقتها هي البطل الذي سينتشلها من عالم الدجاج السخيف
ويوم كانت تدفع المال وتحصل على (العضوية) كانت أسعد إنسانة في الوجود
لقد صارت نسرا
وعليها أن تأتي بالآخرين لتعلمهم الطيرااان، هذا حلم لا ينبغي تركه
لكنها إذ بدأت تفعل، اكتشفت فجأة أنها لا تؤمن بالمنتج الذي اشترته أصلا
هي لم تفكر فيه، كانت تفكر في الفرصة والبطولة فقط
واكتشفت أيضا أنها تحولت تدريجيا إلى ذبابة نهر سمجة ملتصقة، كل حديثها مع المحيطين بها عن الفرصة وشراء ما تبيع
كانوا يلحون، وكانت تلح، وكان الهدف الذي أعلنوه لها بعد ذلك: أهم شيء أن تجدي العميل
ولأنها ذات ضمير حي، لم تستطع الاستمرار، بعد أن أنهكها التعب والالتصاق شهرين آخرين
ذهبت إلى صديقتها، أو بتعبير الشركة (الأب لاين) بتاعتها، وأخبرتها برغبتها في الانسحاب
هنا أخبرتها في تعال أن الانسحاب غير ممكن، لقد دخلت بكامل إرادتك الحرة أيتها الفانية، وكونك لست بطلة هذا ليس ذنبنا نحن
هاهي اليوم تجلس مرتدية سلسلة الطاقة ذات السبعة آلاف جنيه، تحاول أن تجعلها تبث فيها أي طاقة ولو بسبعة جنيهات
نظرت إلى دائرتها السوداء وابتسمت في توحش، ثم اتخذت قرارا جديدا
سوف تتصل بصديقتها نورا، إنها من ذلك النوع الأحمق الذي يصدق كل شيء
ولقد كان حماس نورا رهيبا بعد حضور المحاضرة الأولى
ومع ابتسامتها المتشفية، ونورا تخرج من المحاضرة ملتهبة الحماس، عرفت ياسمين أنها على أعتاب عهد جديد في حياتها
عهد الشيطان
تمت
دمت مبدعا يا صديقى 🙂