الطلاق المبكر للشباب.. أسبابه وعلاجه
كتبت: ندى علاء
شاعت ظاهرة الطلاق في مجتمعنا بدرجة كبيرة في السنوات الأخيرة، وخصوصا الطلاق المبكر بين الشباب ومن لا يتجاوز عمرهم ال 40 عام.
وهذا ما يدفعنا للتساؤل عن ما هي أسباب الطلاق المبكر في مجتمعنا، هل هي المسؤولية وتحملها أم الظروف الاقتصادية أم السمات الشخصية المختلفة للزوجين؟
وفي هذا المقال سنناقش معكم واحدة من أهم وأخطر الظواهر المجتمعية الآن، وهي أسباب الطلاق المبكر وتأثيره على الزوجين وسنقدم أيضا بعض الحلول والمقترحات لتقليل حدوثه.
أخر إحصائيات الطلاق المبكر في مصر
كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، عن عدد حالات الطلاق في مصر بنهاية 2023، فعموما تمثلت عدد حالات الطلاق في الحضر المصري 144,305 حالة، تمثل 56.6% من جملة حالات الطلاق، بينما عدد حالات الطلاق في الريف 110,472 حالة، بنسبة 43.4%.
وأفادت بيانات مركز التعبئة والإحصاء، بزيادة نسبة الطلاق بين الشباب في الفئة العمرية من 25 إلى 35 عاماً، فبلغ عدد الإشهادات بهذه الفئة العمرية 44375 إشهاداً بنسبة 17.4%، بينما بلغ نسبة الطلاق في الفئة العمرية من 35:40 إلى 18.2% بعدد 46414 إشهادا.
دعنا الآن نحلل ما هي أسباب الطلاق المبكر الرئيسية، التي تؤثر على الشباب وحياتهم ومستقبلهم فيما بعد.
أسباب الطلاق المبكر عند الشباب
بعدما بينت البيانات والإحصاءات ارتفاع نسب الطلاق المبكر بين الشباب في أول حياتهم، فما هي أسباب الطلاق المبكر التي تؤدي لذلك؟
مشاكل التواصل
يعاني الكثير من الأزواج من مشاكل في التواصل، وإن كانت موجودة بالفعل قبل الزواج فإنها تزداد بعده، فمن المهم أن يمتلكا قدرة على مناقشة كل الموضوعات في جميع حوانب الحياة بكل صراحة ووضوح، فالزواج بدون تواصل لا يدوم مهما حاول الزوجان.
المشكلات الاقتصادية
تعتبر المشكلات المادية والاقتصادية هي واحدة من أول أسباب الطلاق، والتي تكون ناتجة عن عدم وضع النقاط على الحروف قبل الزواج، من حيث المصروفات الشهرية والنفقات والديون وأيضا القروض، فعلى الزوجين أن يتعرفا على الأمور المادية لبعضهم البعض ليكونوا متفهمين لما يمكن أن يحدث من ظروف أو مشكلات مادية، فلا يلجأوا حينها للانفصال لأنهم فقط كانوا على غير يقين بالظروف.
عدم التقدير وتقديم التضحيات
مع تغير ظروف الحياة ونقلها من الحياة العادية للزوجين في بيت والديهم إلى بيت الزوجية والشراكة بين الاثنين، تخلق ظروف جديدة عليهم لا يعرفون فيها كيف يتصرفون مع الأخر، مثل وقت الأزمات والمحن عند الزوج يجب أن تقدم زوجته له الدعم والمساعدة بكل مقدورها حتى يشعر أنها بجانبه وتدعمه، لكن إن حدث العكس يشعر الزوج بعدم التقدير والحب من الطرف الأخر، فيقرر الانفصال.
الاختلاف على قضية إنجاب الأطفال
يمكن أن تحدث خلافات بين الأزواج بسبب وقت الإنجاب، فأحدهم يريد إنجاب طفل في فترة معينة والأخر لا يريد الإنجاب تماما، فتحدث المشكلات وتتفاقم بإصرار كل منهم على رأيه وعدم الوصول إلى حل وسط، ومن البداية يجب الاتفاق على مثل تلك الأمور قبل الزواج في فترة الخطوبة تجنبا لحدوث ذلك.
الصراع حول المسؤوليات
مع تجربة الزواج الجديدة على الطرفين، يجدوا أنفسهم أمام مسؤولية للمرة الأولى يجب أن يتحملوها ولا يعرفون كيف يفعلون ذلك، مثلا النظافة المنزلية أو طلبات أحد منهم للأخر أو تقصير أحد منهم في بعض المسؤوليات وتركها للأخر، وهذا ما يخلق حالة من عدم الارتياح بين الزوجين مما يثير المشكلات وتفاقمها تصل إلى حد الطلاق.
العنف المنزلي
الكثير من الزوجات قد يتعرضوا إلى الإساءة الىفظية أو العنف الجسدي والعاطفي، والبعض يمكن أن يتغاضى عن هذا، لكن الأكثرية تلجأ للطلاق لأنها لا تتحمل ما يحدث على نفسها أو كرامتها، وترى 42% من الإناث أنّ هذا السبب يؤدي حتما إلى الطلاق، بينما 9% من الرجال فقط يرون أن العنف المنزلي سبب رئيسي للطلاق.
العلاقات الأخرى
تعتبر الخيانة من الأسباب الأساسية لحدوث الطلاق المبكر، فالمرأة ترى أن الخيانة أمر غير مغتفر ولا يمكن نسيانه او تخطيه مقارنة بأي مشكلات أخرى قد تحدث مع زوجها، وفي الواقع أن الخيانة تظهر من أحد الطرفين في محاولة منه لإنهاء العلاقة لمجرد وجود مشكلات أخرى.
تأثير الطلاق على المرأة الشابة
كثيرا ما يؤثر الطلاق على المرأة أكثر من الرجل وذلك لعوامل كثيرة مجتمعية وثقافية، فتكون المرأة الطرف الأكثر ضررا وتأثرا بالطلاق خصوصا في السن المبكر، ومن آثار الطلاق على المرأة الشابة:
آثار اجتماعية
يؤثر الطلاق المبكر على المرأة على وضعها الاجتماعي، فتختلف علاقاتها مع الأخرين وطريقة تعامل المجتمع معها، مما يشعرها بالرفض الاجتماعي، كما يمكن أن يؤثر طلاقها على معاملة أفراد عائلتها لها لعدم تقبلهم هذا القرار، فيتم تعميش رأيها وعدم إشراكها في القرارات العائلية.
وقد تختلف تعاملات المرأة مع أصدقائها الذين يحاولون الابتعاد عنها وتهميشها للحفاظ على مكانتهم وهيبتهم الاجتماعية، مما يؤثر على إجتماعية المرأة وعدم اختلاطها بالأخرين.
ويؤدي الفراغ الحادث في حياة المرأة فجأة بعد الطلاق إلى فهم نفسها ومشاعرها أكثر، وتحدد مشاكلها وتحاول حلها قبل أن تنتقل إلى مرحلة أخرى في حياتها، وإن حدث ذلك بالفعل فستتجنب المرأة حدوث الطلاق مرة أخرى في المستقبل في حالة الزواج مرة أخرى.
آثار نفسية
يؤثر حدوث الطلاق كثيرا على نفسية المرأة، فتفقد المرأة هويتها الذاتيه بعد اعتبارها زوجة وأم ناجحة فتشعر بالفشل ونكران الذات وأنها ليست جيدة، ويغلب على المرأة بعد الطلاق مشاعر الوحدة واليأس والإحباط والغضب والحزن والقلق، وتشعر بالفشل لعدم قدرتها في إنجاح زواجها.
فتدخل المرأة في حالة اكتئاب شديدة نتيجة التفكير الزائد في ما حدث لها وأنها لن تستطيع أن تتخطى التغييرات الحادثة في حياتها، وتكون النقطة الفارقة هنا في التأقلم، فيجب أن تعطي المرأة لنفسها الوقت للحزن والاكتئاب ثم تعود لقوتها وحكمتها لتجتاز هذه المرحلة.
وفي حالات أخرى، قد يولد الطلاق آثار نفسية إيجابية، فيمكنها أن تشعر بالارتياح بعد الخروج من علاقة مؤذية وصعبة بالنسبة لها، لتركز على ذاتها وعملها وتوسيع دائرتها الاجتماعية وتحقق النجاح، لتلقى راحتها في أماكن أخرى غير الزواج.
كما يمنح الطلاق المرأة المزيد من الاستقلالية وتولي زمام الأمور والتحكم في قراراتها، ومسامحة نفسها عن الشعور بالذنب لإنهائها العلاقة.
آثار اقتصادية
تعاني المرأة اقتصاديا بعد الطلاق، خاصة لو كانت لا تعمل، فيتغير مستوى معيشتها ودخلتها، وإمكانية تعرضها للفقر، فمع وجود الأطفال قد تضطر المرأة أن توافق على وظائف براتب قليل مقابل المرونة في الوقت لرعاية أطفالها، فضلا عن تحملها نفقات تربيتهم بغض النظر عن نفقة الزوج للأطفال التي لا تكون كافية للحياة، مما ينعكس بالسلب على مستوى المعيشة.
أسباب اجتماعية وثقافية تساهم في ارتفاع معدلات الطلاق
كما يمكن أن تؤثر بعض الأسباب الثقافية والاجتماعية على ارتفاع نسب الطلاق، ومنها:
انتشار وسائل التواصل الاجتماعي
تعد وسائل التواصل الاجتماعي عاملا فاعلا لا يمكن إغفاله في تشكيل العلاقات الزوجية ، فحاليا هي الوسيلة الأكثر تأثيرا بشكل قاطع على حياة الأفراد، وأثبتت عدد من الدراسات أن السوشيال ميديا من الأسباب الرئيسية لحدوث الخيانة والخرس الزوجي، نتيجة لانشغال الزوجين بمتابعة هذه المواقع لوقت طويل بدلا من التحوار مع بعضهم البعض.
عملت مواقع التواصل الاجتماعي على رفع التوقعات التي يريدها كل طرف من الأخر والتي لا تحدث بالواقع، فيرى الزوج على هذه المواقع نموذج للمرأة المثالية، فيطلب منها أن تكون كذلك فيشعر الطرفين أنهم اختاروا بعضهم عن طريق الخطأ وأن هذا القرار كان ليس بصحيح، مما ينتج عنه الكثير من المشكلات التي تصل إلى حد الطلاق.
الفروق الثقافية والاجتماعية
يمكن أن تؤدي الاختلافات بين الزوجين في التنشئة وطريقة التفكير ومستوى التعليم، إلى عدم القدرة على التفاهم فيما بينهم والتي تصل إلى الطلاق وتفكك الأسرة، لذا عند تكوين العائلة من البداية يجب أن يكونوا متوافقين فكريا واجتماعيا وثقافيا وتعليميا وحتى ماديا.
ضعف الدور الديني
في وقتنا الحالي، غاب الوازع الديني عن مجتمعنا وقل إلا في مناطق قليلة ظلت كما هي، فأدى اختفاء الدور الديني في حياتنا إلى عدم معرفة الأزواج بأهمية تلك العلاقة وكيفية إدارتها، فأصبحنا لا نتعرض لدروس الدين والوعظ التي تعطينا دروسا هامة في الحياة وللعلاقة الزوجية، فضلا عن هجر القرآن وعدم اتباع تعاليم السنة عن رسول الله صل الله عليه وسلم، فكل تلك الأمور تنتهي بالأزواج إلى الطلاق لعدم فهمهم لتعاليم ربهم وكيفية إدارة حياتهم بطريقة صحيحة.
دعم الحكومة للمقبلين على الزواج والحد من الطلاق
- دشنت مصر في السنوات الأخيرة المشروع القومي للحفاظ على الأسرة المصرية “مودة” والذي يدعم الشباب المُقبل على الزواج بالمعارف والخبرات اللازمة لتكوين الأسرة، وإمدادهم بالآليات والإرشادات لفض النزاعات لتحسين معدلات الطلاق المبكر.
وبهذا المشروع تسعى الحكومة لتوفير معارف أساسية للمقبلين على الزواج من بداية أسس اختيار شريك الحياة والحقوق والواجبات والمشكلات الزوجية والاقتصادية للأسرة وإدارتها وكذلك الصحة الإنجابية.
- كما دشنت الحكومة “المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية” بهدف الارتقاء بجودة حياة الأسرة المصرية والحفاظ عليها من التفكك وتحقيق التماسك فيما بينها، فيهتم المشروع بالأبعاد الأسرية والمجتمعية والسكانية والثقافية، والتمكين الاقتصادي.
- نظمت وزارة العدل بالاشتراك مع دار الإفتاء عددا من الدورات التدريبية لحوالي ألف مأذون في جميع محافظات مصر، لرفع الوعي بالآثار الخطيرة للطلاق والحد من النزاعات القضائية والصراعات الأسرية، وإكسابهم بعض المهارات للقيام بدور مجتمعي لتحقيق استقرار الأسر.
- كما أنشئ مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية وحدة ”لم الشمل“، بهدف حماية الأسرة المصرية من التفكك، وإزالة الخلافات بين الطرفين، ونشر توعية مجتمعية وتأهيل المقبلين على الزواج.
- أطلق الأزهر حملة “وعاشروهن بالمعروف“، والتي تتضمن مجموعة من مقاطع الفيديو القصيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على أهم أسباب الطلاق وطرق العلاج، الحد من ظاهرة الطلاق المبكر.
حلول ومقترحات للحد من الطلاق المبكر
بعد أن أدركنا ل أسباب الطلاق المبكر، دعنا نقدم بعض الحلول المقترحة التي يمكن أن تساهم بشكل أو بأخر في تقليل نسب الطلاق المبكر بين الأزواج.
- تضمين المناهج التربوية في المراحل الدراسية الثانوية وفي الجامعات، فيمكن ضم مواد تهتم بالثقافة الأسرية وحقوق وواجبات كل طرف.
- لابد من زيادة إجراء الدراسات المتخصصة حول أسباب وتداعيات الطلاق وطرق خفض هذه المعدلات، فضلا عن دراسة الحلول التي يمكن وضعها للحفاظ على المجتمع واستقراره.
- التدريب الجيد والمستمر للأئمة والخطباء والوعاظ على المواضيع الأسرية، بهدف التوعية الأسرية وبيان أهمية الاستقرار الأسري للمتزوجين حديثًا والمقبلين على الزواج.
- وتفعيل دور المؤسسات الدينية في تنفيذ الدروس والحلقات التي تشرح أهمية الحياة الزوجية وكيفية الحفاظ عليها.
- من الضروري تفعيل دور منظمات المجتمع المدني، لتوعية الأسر بمخاطر الطلاق وآثاره السلبية على المجتمع، وغرس قيم تحمل المسؤولية فيهم.
- يمكن تنظيم حملات إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي لتوعية الشباب وتثقيف المقبلين على الزواج حول حقوق وواجبات الزوجين.
- التوسع في إنشاء عيادات نفسية واجتماعية لتقييم المقبلين على الزواج ومتابعة حالتهم وتقديم التحسينات لهم.
- التوسع في برامج التوعية الحكومية قبل الزواج، للوصول إلى كل المقبلين على الزواج وإخضاعهم لاختبارات التوافق.
آراء الخبراء في قضية الطلاق
أكد أحد مستشاري العلاقات الأسرية والإرشاد النفسي أن الأم يكون عليها دور كبير في فترة ما قبل الزواج لتغذية مفهوم الأسرة في نفوس أبنائها، فعليها تفهيمهم أن الخلافات الزوجية موجودة بين جميع الأزواج ولابد من التأني في القرارات، وترك مساحات التفاهم لحل المشكلات.
وعن أسباب الطلاق المبكر بين الأزواج، ذكر استشاري العلاقات الأسرية أن الرغبة في التحكم والسيطرة على زمان الأمور في العام الأول من الزواج يمكن أن يؤدي إلى الطلاق.
كما يؤثر العنف الأسري على نسب الطلاق، فباقتناع بعض الفئات أن العنف هو الحل للسيطرة على الزوجة هذا ما يحدث المشكلة، وينشئ الفجوة بين الزوجين واللجوء لإنهاء العلاقة.
يفتقر العديد من الأزواج إلى فهم مصطلح “ضياع الأبناء”، فيقبلوا على إنهاء الزواج دون التفكير في مصير أطفالهم، كما يعمل تدخل الأهل في كثير من الأحيان على زيادة حدة المشكلات فيساند كل منهم ابنه حتى لو كان مخطئا.
ويرى مستشار الإرشاد النفسي، أن اختلاف شخصية وحياة الشريكين قبل وبعد الزواج وزيادة المسؤولية والأعباء المعيشية، يؤدي لحدوث مشكلات، ونصح بضرورة تعلم طرح المشكلات وعلاجها لعدم تفاقمها، والتنازل في بعض الأحيان للحفاظ على الأسرة وكيانها
وذكر أستاذ بعلم الاجتماع إلى عدد من أسباب الطلاق المبكر، وتتمثل في عدم التأني في اختيار شريك الحياة، وهو ما يدفع الزوجين لإنهاء العلاقة في السنة الأولى من الزواج، ولفت إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي من بين الأسباب الرئيسية في الطلاق والتي خلقت العديد من الأزمات بين الزوجين بسبب المقارنات مع الآخرين.
وذكر أستاذ علم النفس أن الأعباء المالية وعدم قدرة الزوج على سد احتياجات الأسرة، وتراكم الديون يمكن أن يؤدي للكثير من المشكلات التي تؤدي للطلاق، فضلا عن الاختلاف في الميول والمستوى التعليمي والاجتماعي بين الزوجين، وتحكم الأهل في حياة الزوجين، وتدخلهم بشكل كامل في اختياراتهم وقراراتهم الحياتية.
وفي النهاية، تعتبر أسباب الطلاق المبكر من أخطر ما يقوم به الزوجين سواء قبل الزواج أو بعده.
فعلى كل المقبلين على الزواج الخضوع أولا للتأهيل النفسي لتلك الخطوة، لأنها ليست بالقرار الطائش الذي نأخذه في لحظة وننهيه في لحظة.
وإن كنت مقبلا على الزواج أو في بداية حياتك الزوجية، ننصحك باللجوء إلى الاستشارات النفسية مع متخصص في العلاقات إن كان لديك بعض المشكلات، حتى تتمكن من حلها وتتفادى كل الأمور التي تؤدي للطلاق.