الوقاية تبدأ من البيت: استراتيجيات الأسرة لمكافحة الإدمان
كتبت:- ندى علاء
ما هو دور الأسرة في الوقاية من الإدمان؟
تلعب الأسرة دور حيوي وأساسي في حياة كل فرد، فهي ليست مجرد مجموعة من الأشخاص الذين يعيشون معا، بل هي النواة الأولى التي يتشكل من خلالها سلوك الأفراد وقيمهم.
في عالم اليوم، حيث تزداد تحديات الحياة وضغوطها، يصبح دور الأسرة أكثر أهمية وضرورة في توجيه ودعم أبنائها نحو حياة صحية ومتوازنة.
ومن أبرز هذه التحديات التي تواجه مجتمعاتنا اليوم هو خطر الإدمان بمختلف أنواعه، سواء كان إدمان المخدرات، أو الكحول، أو حتى الإدمان التكنولوجي.
في هذه المقالة، سنتناول كيفية تأثير الأسرة بشكل مباشر في الوقاية من الإدمان، كما نتعرف على الاستراتيجيات الفعالة التي يمكن للأسر اتباعها لخلق بيئة داعمة ومحفزة تساعد الأفراد على تجنب الوقوع في فخ الإدمان، فلنتابع سويا.
أهمية دور الأسرة في حماية الأبناء من مخاطر المخدرات
تلعب الأسرة دورا كبير في وقاية الأبناء من المخدرات، فهي من تخلق بيئة أسرية صحية وبيئة داعمة لهم، بجانب تقديم الدعم وتعزيز الثقة بالنفس والاحترام، وتقديم الدعم العاطفي والنفسي والاجتماعي.
كما تكمن مسؤولية الأسرة تجاه المخدرات، في التوجيه والتوعية بمخاطر الإدمان والتعاطي وتأثيراته السلبية على الصحة، وتشجيع الأبناء على المشاركة المجتمعية والمشاركة في النشاطات التطوعية، لتعزيز القيم الجيدة والأخلاق الحميدة.
نصائح لوقاية الأبناء من المخدرات
يستقي الأبناء طباعهم من آبائهم، فيأخذوا كل ما يفعله الأب والأم من أفعال وأحاديث وطريقة تفكير دون أن يشعروا، وإن كان الأب أو الأم مدخنين، أو علم الأبناء أن قدوتهم في الحياة يتعاطى المخدرات، قد يرى الأبن أن ذلك شئ طبيعي أو ليس به أي خطأ.
لذا على الآباء أن يدركوا خطورة أفعالهم، وأن يدركوا مدى تأثيرهم على سلوكيات الأبناء، وأهمية دورهم في وقاية أبنائهم من الإدمان.
نصائح للآباء لوقاية أبنائهم من الإدمان:-
- تقديم القدوة الحسنة للأبناء، كما ذكرنا فالأب أو الأم المدخنين يأثرون على سلوكيات أبنائهم، فمن المستحيل أن يقبل الأبناء نصائح في هذا الشأن وهم يرون آبائهم لا يفعلوا بتلك النصائح.
- من الضروري توفير الجو الهادئ والمسالم داخل الأسرة، استقرار الأسرة هو المانع الحصين بين الأبناء والمخدرات.
- يجب إبعاد المشاكل العائلية والخلافات الزوجية بعيدا عن أعين الأبناء، حتى لا تؤثر على صحتهم النفسية وتزعزع من الأمن والأمان في الأسرة.
- زرع القيم الدينية وتقوية الوعي الديني، والذي يقوي ويكون الضمير، ويعد الضمير هو العامل الأساسي والحصن ضد الإدمان.
- تكوين شخصية الأبناء، وتوجيه سلوكهم للطريق الصحيح.
- من الضروري متابعة سلوك الأبناء داخل أو خارج المنزل، وتصحيح السلوكيات الخاطئة، ومساعدتهم في اختيار الأصدقاء.
- على الأسرة أن تكون واعية تماما بحجم مشكلة المخدرات والإدمان، وتأثيرها على المجتمع.
- اتباع أسلوب التوازن التربوي، بمعنى عدم القسوة عليهم بشدة، وفي نفس الوقت الابتعاد عن التدليل الذي يفسد الشخصية.
- البعد عن التمييز بين الأبناء والمقارنة بينهم، حتى لا تخلق المشكلات النفسية في شخصيتهم.
- تنمية لغة الحوار بين الآباء والأبناء، ومناقشة المشاكل الشخصية في الأسرة والتوصل إلى الحل الأفضل.
- الإصغاء للأبناء، خصوصا في مرحلة المراهقة، وإعطاء الاهتمام لجميع مشكلات الأبناء حتى لو كانت بسيطة.
- مراقبة مصروفات الأبناء، ومعرفة أين تذهب النقود ومع من.
- يجب مراقبة اختيار الأبناء لأصدقائهم، ومتابعتهم في كل وقت وكل مكان.
العوامل الأسرية التي تزيد من خطر تعرض الأبناء للمخدرات
تختلف وتتنوع العوامل الأسرية المؤثرة على تعاطي المخدرات، كما تلعب الأسرة دورا كبيرا في احتمالية تعرض الأبناء للإدمان، وتشمل تلك العوامل:
التدليل الزائد والقسوة والعنف
أمرين مختلفين تماما لكن لهما تأثير كبير على إمكانية تعاطي الأبناء للمخدرات.
حيث يتمثل التدليل الزائد في عدم اتخاذ الأبناء قراراتهم بأنفسهم والاعتماد على الآباء، وعدم حل مشاكلهم بنفسهم وعدم تحملهم المسؤولية.
أما القسوة تكون على هيئة التهديد والوعيد بالضرب، والتقليل من مشاعرهم وعدم إعطائهم الفرصة الكافية للتعبير عن نفسهم، وعدم إعطائهم مشاعر الحب الكافية والاهتمام والأمان الأسري.
المشاكل الأسرية
من أبرز أسباب الإدمان والاتجاه لتعاطي المخدرات هي المشاكل الأسرية، فمثلا التفكك الأسرى، والخلافات المستمرة بين الزوجين، والشجار أمام الأبناء، بالإضافة إلى غياب القيم الأسرية والاتحاد وقضاء الوقت معا، أضف إلى ذلك غياب الأب ودوره عن احتياجات واهتمامات ابنائه.
المستوى الاجتماعي والثقافي للأسرة
فمثلا إجبار الأبناء على فعل السلوكيات المعينة التي لا يرغبون فيها في سبيل إرضاء المجتمع فقط، وإجبارهم على المذاكرة لوقت طويل في سبيل الحصول على أعلى الدرجات بدون قضاء وقت ترفيهي.
بالإضافة إلى تجاهل الآباء دور الأسرة في الوقاية من الإدمان، ومدى تأثيرها على تكوين شخصية أبنائهم.
الاستراتيجيات الفعالة التي يمكن للأسرة اتباعها للوقاية من المخدرات
للأسرة دور كبير في خلق بيئة أسرية صحية وداعمة تساعد الأبناء في الوقاية من المخدرات والإدمان، فالأسرة والمخدرات من العناصر المترابطة.
لما للأسرة من تأثير كبير على احتمالية الإصابة بالإدمان وتعاطي المواد المخدرة، فعلى الآباء أن تؤدي دور الأسرة في الوقاية من الإدمان بطريقة فعالة وعلمية.
- يجب على الآباء أن يعملوا على بناء العلاقات القوية مع أبنائها، وتعزيز قيم الثقة والاحترام المتبادل بينهم.
- تعزيز الوعي حول مخاطر التعاطي والإدمان، وأثرها على الصحة النفسية، وتطبيق منظومة التواصل الجيد والفعال بين الأبناء وآبائهم، وتشجيعهم على قول الصراحة والتعبير عن أفكارهم بحرية دون خوف.
- تتمثل مسؤولية الأسرة تجاه المخدرات في حياة أبنائهم، في حرمانهم من الشعور العاطفي والمشكلات النفسية والضغوط التي تفرضها الأسرة على أبنائها، لذا ينبغي الحرص في التعامل مع الأبناء، ومعالجة المشكلات الأسرية، لتجنب الوقوع في مشكلة التعاطي وإدمان المخدرات.
- يجب على الآباء منح الحرية لأبنائهم لكن في نفس الوقت ممارسة دور المراقبة على حياتهم الشخصية والتقرب منهم بود ولطف.
- تقديم النصائح بود وليس بأسلوب الاتهام، حتى لا تحدث النتائج العكسية.
- يجب قضاء الكثير من الوقت مع الأبناء، ومعرفة اهتماماتهم وميولهم وأصدقائهم، ونصحهم دون فرض الرأي، لكن باتباع أسلوب الإقناع.
كيفية خلق بيئة أسرية داعمة وصحية للوقاية من المخدرات
تلعب الأسرة بكامل أعضائها دور جوهري في توفير بيئة صحية وآمنة للأبناء للوقاية من المخدرات، ومع ذلك، لكل من الأم والأب أدوار مميزة وخاصة.
تؤكد دراسة حول الدور الوظيفي للأسرة في الوقاية من تعاطي المخدرات أن الأم تلعب الدور الأساسي في التنشئة الاجتماعية لطفلها خلال سنوات حياته الأولى.
فهي المصدر الأول للدعم والأمان وإشباع حاجات الطفل، مما يجعلها العامل الرئيسي في توفير البيئة الآمنة التي تمنع الانحرافات.
أما دور الأب، فيتجسد في تهيئة الجو النفسي المناسب من خلال توجيه الأبناء وتهذيبهم، وتقديم الخبرات والنصائح التي تجعل منه نموذجا يحتذى به.
خلق بيئة أسرية صحية
يأتي دور الآباء الوظيفي في منع تعاطي الأبناء المخدرات، متمثلا في عدم التعاطي حتى لا يقتدي الأبناء بها.
من الضروري خلق بيئة صحية آمنة خالية من الخلافات، وتقديم الدفء العاطفي الكافي للأبناء، حتى يتم إبعادهم عن طريق الانحراف.
كما يبرز دور الأسرة في الوقاية من الإدمان، في طريقة التنشئة وتربية وتعليم الطفل، وتنشئته تنشئة اجتماعية صحيحة، باتباع العادات والتقاليد السائدة في المجتمع.
مهارات التواصل الفعال بين الوالدين والأبناء
من أهم أركان الوقاية من المخدرات وتجنب الإدمان، وجود قنوات اتصال فعالة مع الأبناء، والتعزيز من مهارات التواصل بين الوالدين والأبناء، ويتم ذلك من خلال مشاركة الآباء لأبنائهم في مشكلاتهم والاستماع لهم.
مع أهمية عنصر الاستماع للأبناء، فيجب أن تنتهي عملية الاستماع بفهم وجهة نظرهم والتحدث إليهم بنفس مستوى فهمهم وتقبل انفعالاتهم وغضبهم.
وبعد الاستماع للأبناء، تأتي خطوة حسن الاستماع، من خلال إعطاء شعور للابن بفهم الأب لسؤاله، ومراقبة حركات جسده وتعبيرات وجهه للتأكد من إن كان يقول الصدق أم لا.
من المهم إعطاء الابن إحساس الأمان والطمأنينة والثقة، من خلال الابتسام له، ولمسه كالربت على ظهره، أو إعطاؤه نظرة فخر تزيد من ثقته بنفسه.
ومن المهم أن يتجنب الآباء استخدام أسلوب السخرية واستخدام نبرات صوت غير مناسبة، وإشعاره بفرض رأي الأكبر منه عليه.
تقديم النصائح السليمة، فعلى الآباء الابتعاد عن الحديث الذي يعطي معنى بعدم الثقة والانتقاد والاستخفاف بعقولهم.
دور الأسرة في مساعدة الأبناء المدمنين على التعافي
قبل دخول الأبناء في مرحلة إدمان المخدرات، وإن كان يحاوطهم مجتمع يتعايش مع المخدرات والأدوية المخدرة كأمر طبيعي، فيجب إثراء عقل الأبناء بالمعلومات الكافية عن مخاطر انتشار التعاطي في المجتمع ككل، بجانب خطورته الكارثية على مجتمعهم المحدود.
تدعيم الأبناء بالمفاهيم الصحيحة والأساليب السليمة ليتمكنوا من اتخاذ القرار من أنفسهم، ومقاومة ضغوط من حولهم في خوض تجربة المخدرات.
من الضروري دعم الأنشطة الصحية اليومية في حياة الأبناء، وانخراطهم في المدارس التي تهتم بالتربية الصحيحة والتوعية.
طرق مساعدة المدمن عن طريق الأسرة
في حالة وقوع أحد الأبناء في طريق إدمان المخدرات، يأتي دور الأسرة في الوقاية من الإدمان، من خلال تقديم الدعم الكامل للمتعاطي وتوفير سبل العيش المناسبة له، حتى يتمكن من تخطي تلك الأزمة.
فمن الضروري تقديم الدعم العاطفي للمدمن، فهو يكون في أمس الحاجة لدعم عاطفي قوي ومستمر من جميع أفراد الأسرة، ويحتاج للشعور بالونس والأسرة، وأنه ليس وحيدا في مشوار علاجه.
يجب على الأسرة تقديم التوجيه والتعليم للمدمن بشأن التأثيرات السلبية للإدمان، وما ينتج عنه من السلوكيات السلبية، وتقديم كافة أوجه المساعدة في علاجه والموارد التي يحتاجها.
مساعدة المدمن على تخطي أزمته
يمكن للأسرة أن تشجع المدمن على المشاركة في البرامج والأنشطة التطوعية، وبرامج الدعم الاجتماعي، لمساعدته على التعافي.
ومن الضروري عدم تأنيب المدمن وتوجيه اللوم عليه بطريقة مبالغة، وعدم التركيز على ما فعله من أمر مشين ولن يتم مسامحته، فيجب البعد عن الحديث السيئ معه، والتركيز على تحفيزه في تخطي هذه المرحلة.
مع ضرورة البقاء معه لوقت كثير وقضاء الوقت الممتع الذي يساعده على الحديث بطلاقة وإبداء ما بداخله من مشاعر.
وللجانب الديني أثر كبير في تخطي تلك المرحلة، فيجب نصح المدمن بالآيات القرآنية، وحضور حلقات الذكر، لتغيير ما بداخله من دوافع سيئة.
الوقاية من المخدرات مسؤولية مشتركة
مهمة الوقاية من المخدرات مسؤولية مشتركة، فهي ليست مهمة الأسرة فقط، فلا يمكن أن نهمل ضرورة عمل الأسرة كفريق واحد، بحيث يكون لكل عنصر فيها دورا مهما.
لكن للمدرسة أو الجامعة دورا مهما في الوقاية من المخدرات، فهم يشكلون المنزل الثاني للأبناء، وعليه يقع عاتق كبير على دورهم في توعية الأبناء.
ويتم ذلك من خلال عقد الندوات والمحاضرات التوعوية، باستضافة الخبراء للتحدث عن مخاطر إدمان المخدرات، بالإضافة إلى ندوات تدعم الصحة النفسية التي تعد أولى خطوات الانهيار والاتجاه للمخدرات.
ومن الضروري تدعيم المناهج الدراسية بمخاطر المخدرات، وكيفية قضاء أوقات الفراغ في أشياء مفيدة.
دور الدولة في الوقاية من المخدرات
يقع على الدولة ومؤسساتها أيضا مسؤولية كبيرة في الوقاية من المخدرات، وهي وضع القوانين الصارمة لتجار المخدرات، والرقابة على الأماكن العامة خصوصا الشعبية.
كما يلعب الإعلام دورا هاما في الوقاية من المخدرات، فمثلا إطلاق الحملات الإعلامية، والبرامج التوعوية حول دور الأسرة في الوقاية من الإدمان، ومخاطر المخدرات.
والتوعية بالأمراض النفسية التي تؤدي إلى الاتجاه للمخدرات، مثل الاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب.
وأخيرا.. وبعد كل ما ذكر حول أهمية دور الأسرة في الوقاية من الإدمان، يجب على كل أسرة أن تقدم الدعم النفسي لأبنائها وقضاء الكثير من الوقت معهم.
وتوعيتهم بمخاطر الإدمان، وتأثيره على حياتهم بأسلوب سلس ومبسط، حتى نحافظ على أجيال كاملة قادمة.