كتب : سامح عبد الهادى
عصير الخوخ | قصة قصيرة
هو لم يكن يعلم بوجودها .. ولم يتوقع هذا إطلاقا ..
ولهذا دخل بكل عفوية كما يفعل كل يوم كالمعتاد ..
ومر بجوارها مرور الكرام ..!
بينما كانت هى مندمجة مع هاتفها وكأنها تطالع شيئا ما .. ولم تعرف بوجوده فى هذا المكان .. ولم يكن من السهل أن تلاحظه أصلا .
جلس فى الركن الشرقى كما يفعل كل يوم
ولكن بجلوسه هناك بالتحديد يصبح فى اتجاهها تماما
بدأ يطالع بعينيه وجوه الزبائن الموجودين بالكافيه فى هذا اليوم بعفوية وفضول .. وحينما مرت عيناه على وجهها وبعدت قليلا .. شخصت لثوان ثم عادت لتطالع هذا الوجه .
هل هى فعلا ؟؟
نعم .. إنها هى بالفعل …!
نفس العينان الملكيتان .. والبشرة الهادئة .. والشعر الأسود المجنون
لا يمكن تكرار هذا الوجه مرتين .. إنها هى فعلا .
ولكن لماذا هى هنا ؟؟
قام وذهب إليها بفضول رهيب .. وقف بجوارها قليلا .. رسم على وجهه ابتسامة رقيقة .. أحنى رأسه قليلا وقال بكل لطف : تحت أمرك يا فندم .
إلتفتت إليه بعفوية .. وهمت بقول شيئا …
ولكن ما إن أتت عيناها على وجهه .. حتى توقف لسانها عن الحديث وانقطع الكلام .. وثبتت عنياها فى عيناه لوقت لا تعرف طال أم قصر .
تساءلت فى هذه اللحظات عن أشياء كثيرة جدا .. ولكنها لم تحصل على الجواب لأى منها بعد .
لم يستطع هو أن يفسر نظرتها .. أهى تعجب .. ألم .. رهبة .. سعادة .. لا يدرى
قطع هو هذا الصمت بكلمة بسيطة قائلا : سعداء بوجودك
فسألت محاولة إخفاء ارتباكها : هل تعمل هنا ؟
فقال بتواضع : نعم .. !
– ايه أخبارك ؟
– الآن .. لا أدرى بالضبط .. لكنى فى حالة رائعة .
ثم أردف قائلا : هل تنتظرين أحد ؟
قالت : لا .. لكنى أنتظر حضور المحامى الذى يقع مكتبه فى الشارع المجاور .. وجئت لأنتظر هنا بدلا من الإنتظار فى الشارع .
فاستدار للجهة المقابلة لها .. وجلس أمامها محتفظا بابتسامته وهدوءه.
ثم قال بلطف : إذن دعينى أستغل هذا الوقت فى معرفة أخبارك
قالت متلفته حولها : لا أريد أن أسبب لك المشاكل بجلوسك معى .. فقد يتحدث إليك أحد .
زادت ابتسامته وقال : اطمئنى .. لن يتحدث أحد بشئ .
تسائلت عيناها عن السبب فأكمل : لأننى صاحب هذا الكافيه.
بدت علامات التعجب على وجهها .. ثم اعادت تفقد المكان بتفاصيله .. وحينما عادت عيناها إلى عينيه قالت : رائع .. الكافيه شيك جدا .. وواضح أنه قد كلفك الكثير .
يبدو أنك استطعت تحقيق النجاح المادى وإضفاء جانب رائع على حياتك .
قال : النجاح له ثمن … حدثينى عنك .
قالت : أنا بخير الحمد لله .. لكنى أمر بظروف مختلفة نوعا ما هذه الأيام .
انتظرها لبرهة .. فلم تكمل حديثها .. فقال : يبدو أنك تريدى الاحتفاظ بالتفاصيل .. حسنا .. لا داعى لأى سؤال عن التفاصيل الخاصة .
قاطعته : ليس الأمر هكذا .. لكنها قصه يطول شرحها .
لقد انفصلت عن زوجى بعد عشر سنوات زواج .. ومنذ عام تقريبا وأنا فى مشاكل وخلافات وقضايا بسبب هذا الإنفصال
قال وقد شحب وجهه : وما ذنب الأطفال فى كل هذا ؟
قالت بخجل : أنا لم أنجب بعد .
ثم سألت بقصد تغيير الموضوع : حدثنى عنك .
تراجع قليلا وكأنه قد انتبه .. وقال : أنا بخير .. أتشارك الحياة مع زوجة حنونة وسيدة فاضلة تحبنى جدا .. وولدين صغيرين .. أحاول أن أوفر لهما حياة كريمة .
– وماذا عن عملك .. هل تتفرغ لهذا الكافية ؟
قال بعد برهة من الصمت : أنا لا أتفرغ لشئ إطلاقا .. لقد أنشأت هذا المكان فقط لأننى أحب أن أجلس فيه … هنا أشعر براحة نفسية وهدوء .
– تعنى أن لك عملا آخر ؟
– أنا أمتلك شركة سياحة لها سبعة فروع حول العالم .
– رائع .. لقد حققت ما كنت تريد بالفعل .. لقد تنبأت لك بهذا سالفا .
– لقد أخذنا الحديث ونسيت أن أقدم لك مشروبا مناسبا .. فأنت ضيفتنا الرائعة اليوم .
قام لدقائق وعاد ومعه نادلا يحمل صينية فخمة وعليها كأسا زجاجيا مدهب بخطوط متناسقة ومحلى بألوان الزمرد الأخضر .. وتضع الفخامة بصمتها عليه بوضوح .
أشارا للنادل فوضع الكوب برفق وانصرف .
قالت له : ما كل هذا الزوق .. وأشكرك لأنك لم تنسى ما أحبه .
ابتسم وقال لها .. مشروبك المفضل .. عصير الخوخ .. تمنيت يوما أن أهديك هذا الكأس .
ابتسمت .. ولكنها لا تعرف ما الذى غص فى حلقها .. هل ماتخطه الأقدار أم ما نفرضه نحن على أنفسنا ؟
مدرس رياضيات حاصل على ماجستير إدارة الأعمال وكاتب ومحاضر في علوم التنمية البشرية والإدارية