اللعنة | قصة قصيرة
كتب: أحمد زكي
الديليفري
” أرجو أن تستمتع بالخدمة والمنتج سيدى ” ..
أومأ العميل برأسه على باب منزله بابتسامة سخيفة ثم أغلق الباب فى وجهى !
تنهدت واستدرت نازلا .. كان هذا آخر عميل أوصل له طلبه اليوم ،ولا شىء إلا المنزل الآن ..
أرغب فى نووووووم عميييييق .. جسدى كله يؤلمنى خاصة معدتى ،ورأسى يدور بعنف مع أن زوجتى حرصت على تذكيرى بموعد الدواء ..
ربما أحتاج للذهاب للطبيب ..
وقفت ثوان على باب العمارة الفاخرة ألتقط أنفاسى .. مازالت معدتى تؤلمنى قليلا ..ربما من تأثير الحر ؟
نظرت للشمس الغاربة فى هذه المنطقة الهادئة .. جميلة ومخيفة ..
كيف يعيش الناس فى هذا الحى الصامت ؟
ركبت دراجتى البخارية ولكن ..
بطنى الآن تتمزق فعلا .. يجب أن أجد دورة مياه سريعا ..
أطلقت آهة من بين شفتى وأنا أدير الدراجة البخارية وأنطلق بها ..
كان صوتها المزعج يدوى فى المنطقة الصامتة بينما أبحث بعينى عن أى مسجد أو محل أو حمام قريب ..
دقيقة مرت واهتزازات الدراجة البخارية تقطعنى فعلا ، ثم ..
ها هو ذا ..
مسجد قديم ملحق به دورة مياه مستقلة .. رائع ..
كان منظر المسجد عجيبا قديما يتنافى بشدة مع الثراء الذى يستفز العين فى كل بقعة فى هذا الحى ،كما أنه آخر بناء فى الحى وما بعده صحراء تقريبا ..
وقفت أمامه ، ثم نزلت من دراجتى البخارية والألم يمزق أحشائى ..
دلفت لممر طويل يؤدى لدورة المياه .. ممر ذو سقف خشبى تتلوى عليه بعض غصون النباتات المصفرة ، ولا صوت إلا صوت صفير الهواء الخافت وقرعات حذائى .. حتى وصلت لها ..
مع غروب الشمس الوشيك كان الضوء خافتا جدا فى الممر ودورة المياه ..
بحثت بعينى عن قابس .. لا يوجد ؟!
أخرجت هاتفى وجعلت المصباح قيد العمل ..
وتقدمت فى توتر ..
أنا خائف .. خائف ولا أدرى سببا لذلك ..
ربما صدى خطواتى ..
ربما صدى نقاط الماء المتساقطة ..
ربما الظلام فى دورة مياه غريبة ..
انتقيت الكابينة الوسطى من ثلاثة .. أحسبها نظيفة !
دخلت إليها وبدأت أنتزع ملابسى السفلى بسرعة .. الآن أسيطر على نفسى بالكاد ..
وسرعان ما شعرت بالراحة والألم يغادر بطنى مع محتوياتها .. لحظات مرت ثم بدأت أغتسل حين ..
سمعت خطوات بالخارج وشعرت بشعيرات جسدى كلها تنتصب !
خطوات ثقيلة ..
ثابتة ..
حانقة ..
ولا تسألنى كيف عرفت أنها حانقة !
مرت الخطوات من أمام كابينتى تجاه الكابينة الأخيرة ، ثم ..
استدارت عائدة لتمر من أمام كابينتى مرة أخرى !
ثم ..
تعود الخطوات لتعبر أمامى مرة ثالثة ..
ثم ..
مرة رابعة ..
نبضات قلبى من الرعب تتصاعد فى عنف وأشعر بالدوار ..
صوت صفير فى أذنى ..
أشعر بدقات قلبى تضرب رأسى بعنف ..
أكاد أسمع صوت ..
خوار ؟!
خوار يأتى من خارج الباب ..
ارتديت ملابسى فى خرق واضطراب ، ورغما عنى بدأ لسانى يلهج بالاستعاذة على الرغم من أنى فى الحمام ،لكن ماذا أفعل ؟
صدرى يعلو ويهبط وأنا أتنفس بسرعة ..
صوت الخطوات بالخارج يثقب مسامعى ثقبا ويحطم أعصابى ..
صوت لهاثى مع صوت الخوار هذا وقطرات الماء ..
الخيالات التى يبعثها مصباحى فى قلب الظلام ..
لا بد أن أخرج سريعا ..
ترقبت الخطوات جوار الباب ،وعندما حسبت أن صاحبها مر من أمامى فتحت الباب لأخرج وأهرب من هنا ..
ما أن فتحت الباب فجأة ، حتى ساد الصمت !
نظرت فى رعب للمكان المفترض أن صاحب الخطوات فيه لأجد المكان خاويا والكابينة فارغة !
لم أنتظر ثانية أخرى .. انطلقت أعدو لدراجتى البخارية ، ثم إلى المنزل مباشرة ..
عندما عدت للمنزل استقبلتنى زوجتى بدهشة .. وجهى مصفر وجسدى يتصبب عرقا ..
يبدو أنى مريض بشدة
لم أتحدث كثيرا ، فقط دلفت لآخذ دشا سريعا ومنه لفراشى مباشرة ..
لا أستطيع أن أتحدث .. لقد واجهت شيطانا وأنا مصاب بالإسهال ،فأى شىء أسوأ من ذلك ؟
غبت فى نوم عميق ولده التعب والتوتر ،لكن لم يمض وقت طويل حتى استيقظت على ألم معدتى الحاد مرة أخرى ..
لقد نسيت أن أتناول الدواء !
نهضت بسرعة لأدلف لدورة المياه ..
فى شقتى الكئيبة كان باب دورة المياه غير موجود لأنى لم أركبه بعد .. منذ قررت زوجتى تغييره واستبداله بباب من النوع الذى يطوى وأنا لم أركبه ..
دلفت له مشوش الذهن ، وبينما أنا جالس أحدق فى الأرضية سمعت همسا ..
همس يأتى من نهاية الطرقة بالخارج .. أصغيت السمع .. لا أفهم !
– همممم سبممممممم امممممممههههههه ممممممممسسسسسس !
ماهذا ؟
أسرعت بالاغتسال وأخرجت رأسى لأنظر ..
إنها ..
ابنتى الطفلة واقفة فى نهاية الطرقة .. وتهمس !
فى الظلام تهمس ..
واقفة وشعرها ثائر حولها كما لم أره من قبل قط ..
كان غريبا أن دق قلبى بعنف مرة أخرى .. لماذا ؟
هناك ..
شىء ..
ما ..
مخييييف ..
مرتجفا همست باسمها مرة .. ثم مرة ..
والرد أن ساد الصمت !
صمت مطبق .. حتى الهمس توقف ..
الفتاة لا تتحرك ولا تبدو أنها تسمعنى أصلا ..
ثم ..
ثم بدأت تتحرك نحوى وأنا واقف فى دورة المياه !
انتبهت أنى شبه عارٍ ،فأخذت أصيح فيها بعصبية أن تتوقف ولكنها استمرت تتقدم !
أكملت اغتسالى سريعا سريعا ،وأغرقت نفسى بالصابون السائل ..
اللعنة على الأطفال ..
أنهيت ما أفعله والتففت خلفى لأخرج من دورة المياه لأجدها واقفة أمامى تنظر للأسفل بانحناء غريب ..
هناك صوت يصدر منها ..
صوت يشبه الهمهمة أو الطقطقة ..
لماذا يرتجف النور بهذه الطريقة ؟
كانت تصدر صوتا كمن يتحدث فى نومه بكلام غير مفهوم ..
قلبى يدق بعنف جعلنى ألهث ..
ما بالها هذه الفتاة ؟
مددت يدى لأحتضنها وأداعب وجنتها كما أحب دائما ، لكن ..
لمست يداى شئيا مخيفا .. اتسعت عيناى فى جزع ، وفتحت فمى فى صرخة ملتاعة واملأت عيناى دموعا من الرعب ..
لمست ..
وجهها ..
كرة من اللحم ..
بدون ملامح على الإطلاق !
ما لبثت أن انتفضت للخلف ،بينما رفع الشىء رأسه نحوى ..
كرة وردية يعلوها شعر بملابس وجسد ابنتى !
ببطء رفع الشىء يديه نحوى لثوان ،وصوته المكتوم يتعالى بالهمس المخيف
ثم ..