Menu Close

المتنبي .. حياته ونشأته | قصة شاعر العرب

تمثال_المتنبي_في_بغداد
تمثال_المتنبي_في_بغداد

المتنبي .. حياته ونشأته | قصة شاعر العرب

كتبت : تسنيم سعيد

انضم لكوكب المعرفة

لكل عصر مسطري فخره وعلمائه وشعرائه وجهابذته، فالتاريخ يصنعه رجاله ونوابغه،
وكان من أهم صناع تاريخ العصر العباسي ، المتنبي الذي اشتهر بين وفود الشعراء بطغيان حماسته الشعرية وشخصيته المتميزة.
وإن ألقينا الضوء على قدر شخصيته ومكانتها وبكل ما حوته من إيجابيات أو سلبيات لوجدنا أن أساس تكوين شخصيته نتج عن ظروف نشأته..
فمن هو المتنبي؟ وما أصله؟ وما سبب اشتهاره بالحماسة؟ ولم نأى بشعره إلى الاختلاف والتميز حتى ذاع صيته تحت اسم ماليء الدنيا وشاغل الناس بشعره؟

من هو المتنبي؟

أبو الطيّب المُتنبّي واسمه أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي ولقبه شاعر العرب (303هـ – 354هـ) (915م – 965م)؛
هو أحد أعظم شعراء العصر العباسي الذين ذاع صيتهم بقوة شاعريته وجزالة ألفاظه وفصاحتها وقوتها، فاستطاع بمدحه أن ينال رضا الولاة وعطاياهم وقربهم، وأستطاع أن يهجو الرجل فلا يترك منه موضعًا إلا وله منه نصيب من الذم والهجاء، وتفاخر بشعره الحماسي الذي كان وسامًا وتاجًا يزين شعره.
وأما سبب تسميته بالمتنبي فاختلف في حقيقتها، فالبعض يرى أنه بسبب ادعاءٍ ادعاه في عنفوان شبابه، وهو ادعاء النبوة، والبعض يرى أنه كان خلوقًا متمسكًا بالعلم والعلماء ومدحهم مع ورعه وحسن خلقه فلقب بالمتنبي.
وقد وضع المتنبي لنفسه مكانة تخطت عصره وبلدته وموطأ قدمه حتى جالت في العصور اللاحقة في فخر وتميز، فهو الشاعر العربي الحكيم المميز  في أساليبه.
وقد كانت العرب سابقُا أعظم ما تصف به هو الاستخدام القويم للعربية، بل ويعير بتركها المخطأ لسانه بها، وقد وصف المتنبي بأنه أعرف العرب بعربيتهم حتى صار مستلهمًا يهتدى بشعره ويقتدى بنهجه.

نشأة المتنبي

لعل أبرز ما نسب إليه المؤرخون شخصية المتنبي المتباهية والهجائة هو نشأته المجهولة، حيث اختلفت الأقاويل حول نشأته ما بين من يرى أنه ابن قبيلة عربية شهيرة تلقب بقبيلة كندة، وما بين من يرى أنه ابن قبيلة مجهولة، حتى أن اسم أبيه قد اختلف فيه، وأيضا لا يعرف عن أمه صفة ولا اسم ولا أصل.
لذا تعد فترة نشأة وولاد المتنبي فترة غامضة يفسر غموضها شخصيته القوية المتفاخرة المتباهية، لأن عادة العرب أن يتفاخرون بالحسب والنسب، فربما كان لدى المتنبي في ذاك الركن نقص أو غموض جعله يستبدله بالتفاخر الدائم الذي جعل شعره يسيطر عليه الهجاء والمباهاة.
لكن ما وصلنا من نشأته هو حياته مع جدته أم أمه، فقد نشأ في أحضانها وعطفها الذي أغدقت به عليه، وظلت له الأم والأهل والسند حتى بلغ أشد رجولته، ولكننا لا نعرف أيضًا من اسمها وأصلها ونسبها شيئًا.

تعليمه

بدأ المتنبي تعليمه بالتحاقه بالكتاب، وكان مكتظًا بأبناء العلويين من أشرفهم، فاختلط بهم وتشرب من الفكر والأسلوب الشريف.
وتعلم بالكتاب اللغة العربية ما بين نحو وصرف وبلاغة وعلوم نظرية أفادت شاعريته وارتقت بعربيته إلى الرصانة.
وكان أبي الطيب المتنبي أيضًا يجالس الوراقين ويلازمهم قارئًا في كنز الكتب الذي بين أيديهم، فشيد شخصيته وفكره وثقافته بهذا العلم.
ولم يكن لكل من هو في سن المتنبي آن ذلك أن يكون بهذا الشغف للعلم، فقد أحب العلم وولع به واقتنصه، ووهبه الله قوة وبسطة في الحفظ والعلم والفهم، فعرف بتوقد عقله وذكائه بالإضافة لشغفه وولعه بالأدب والشعر وعلومه.
ومن عوامل تكوين فكره وعلمه أيضًا معاشرة البدو، حيث عاش بينهم في البادية ما يزيد عن العامين، وهم المعروفون بالعرب الخلص ذو الفطرة اللغوية السليمة القوية، فأبدى لسانه الفصاحة والجزالة والقوة في التعبير وكان ناقدًا ماهرًا يعرف جيد اللغة ورديئها ويزنها بميزانه النقدي.
وأعطى المتنبي للغة مكانتها وشغفه، فكان شديد المطالعة لها يتتبع ما غرب منها ويستقبل صعوبتها بفهم وإدراك، ويبحث عن شدتها وثقلها ويتقنه، ففاق بذلك ما تعلمه من البادية من السليقة اللغوية.
وأحب المتنبي العلم فتتبعه ارتحالًا وهجرة ومكوثًا، واقترن بالعلماء وجالسهم وتعلم منهم، فكان علمه مزيجًا لما اقتناه من الكتاب وملازمة الوراقين وتتبع اللغة ومجالسة العلماء ولا ينبئ ذلك الشغف والولع في هذا العمر إلا عن عالم منتظَر أو نابغة أو ذو شأن، وقد كان.

سفره ورحلاته

عاش المتنبي على الترحال والتنقل بين البلدان يبتغي عطاء السلاطين ومجدهم ويقتبس العلم من العلماء، فرحل إلى بغداد أولا، ولم يذكر التاريخ عن رحلته تلك شيئًا.
ثم رحل إلى بلاد الشام، وكانت رحلته تلك محاطة بالمخاطر والصراعات التي أودت به إلى السجن، حيث كان المتنبي يطلب المكانة والمجد بمدح الأمراء، ولم تكن الأحداث السياسية آنذاك مستقرة، وقام المتنبي بمدح الرجال المحاربين للسلطة، مما أودى به في السجن على أشهر الأقوال، حيث تعددت الروايات في سجنه.
ثم بقي المتنبي ببلاد الشام تسعة أعوام يمدح الخليفة الأمير سيف الدولة الحمداني، ولم يكن المتنبي بمخالف هواه كثيرًا في مدح الأمراء، فقد وجد منشوده في مدح الحمداني لما فيه من صفات الرجولة العربية والقوة، وبقي بالشام حتى انقطع عن مدحه.
ثم رحل المتنبي على كراهة وحزن منه على اضطراره فراق صاحبه من حلب إلى مصر، وركن إلى جانب كافور الإخشيدي خمسة أعوام يمدحه، لكن مدحه لم يكن عن محبة وتقرب للإخشيدي كما مدح الحمداني، وإنما عن طلب المجد والعلو، لذا فإن الإخشيدي ضيق على المتنبي حتى هجاه المتنبي بعدما عاش أيامه في مصر تتلخص بكونها جزء من محنته بحياته.
وخاب أمل المتنبي بمصر أن يحصل على ما يطمح إليه في كنف الإخشيدي، فجر أمتعته إلى العراق علّة يجد فيها مرغوبه، فتنقل بين الكوفة وبغداد، ثم إلى أرجان بدعوة من وزير عضد الدولة، وقد بقي قرابة الأربعة أشهر يمدحه حتى انهى ذلك برحيله بدون سبب محدد، رغم أنه قد استقرت له الأمور آنذاك، ولكن القلب أعلن المغادرة مودعًا عضد الدولة.

وفاة المتنبي

في أوج قوة المتنبي ورجولته وفي العقد الخامس من عمره أعلن الأجل انتهائه، ولا يبالغ القائلين هنا بأن المتنبي قتله شعره، حيث هجا المتنبي ضبة الأسدي هجائًا لاذعًا وهو الذي يهجو ولا يترك من المهجو عزًا، وفي إحدى طرقه حين كان على ارتحال إلى بغداد من شيراز اعترضه خال ضبة الأسدي، وهو فاتك الأسدي، وكان فاتك الأسدي يومئذ هو الأكفأ عددًا برجاله، فأقبل على المتنبي متوعدًا محتدًا مستثأثرًا لخاله والتقى الجمعان على غفلة وفجأة، وقتل حينئذ ابن المتنبي وهو مُحسد ابن المتنبي.
ولكن المتنبي أتيحت له فرصة الهرب وقد هم وأقبل عليها فاستوقفه غلامه وقال له (( ألست القائل الخيلُ والليلُ والبيداءُ تَعرفني؟ فردّ عليه المتنبي قائلاً: قتلتني قتلك الله))، ورجع المتنبي مقاتلًا حتى سقط قتيلًا بيد عدو شعره، فقتله شعره.

الحماسة عند المتنبي

الحماسة عند المتنبي جعلت منه نبراسًا وعلمًا بين الشعراء الذين تراودت سيرهم حتى يومنا هذا، فلأي مكانة بلغ شعره منها ما بلغ ونالت قصائده من الحماسة ما نالت حتى أودت بحياته وقيل عنه قتلته حماسته، وما المعنى الدقيق للشعر الحماسي عند المتنبي وغيره، ومن هو المتنبي.
إذا أردنا أن نضع تعريفًا دقيقًا يصل إلى لب معنى الحماسة لوجدنا تخبط واختلاط يشوبه الآراء المختلفة، فقد يميل البعض إلى تأطير الحماسة بما يختص بإبراز القوة والشجاعة في ساحات الحرب، وفي الحقيقة الحماسة لا يمكن قصرها على مجرد الفخر في المعارك والحروب، ولكن يمكننا أن نقول بأن فن الحماسة هو فن الفخر بشكل عام، سواء تخلل الفخر مدح أو هجاء وغيره.
وقد كان لحياة المتنبي بكل ما طرأ عليها من طوارق الأيام ونوائب الدهر أثرًا انعكس على مرآة شعره فخلف من وراءه ذاك الشعر الحماسي، فإذا أردنا أن نغوص في أسباب الحماسة عند المتنبي لوجدناها نتيجة لحياةٍ أحاطت بها المشاق وغلفتها المصاعب، ونجد أيًضًا ملامح ثورة فكرية في شعره نتجت عن تحجيم فكره وانعدام حرية اعتناقه والتعبير عنه وسط حالات التخبط السياسي التي عاصرها في ما جالت قدمه من البلاد.
فقد جاء شعر المتنبي صورة صادقة عكست كل ما دار في عصره من ثورات وصراعات واضطرابات ومذاهب سادت وآراء تضاربت أو اختلفت، كما عبر عن شجاعته وصموده وعلمه ونبوغه في إطار يفصح عن الاضطرابات النفسية الخاصة بالشاعر وبحياته، فجعلت القيم في شعر الحماسة عند المتنبي كثيرة.
وهناك من يقول بأن الشاعر المتنبي كان مجهول النسب، فلم يعرف عن نسبه شيئًا مما يرجح كونه مشكوكًا في نسبه، واستدل أصحاب ذاك الرأي بشعر الحماسة عند المتنبي مدعين بأن العربي بطبعه وعاداته يفتخر ويتباهى بنسبه وآبائه ومكارمهم، فلما كان المتنبي ذو نقص في ذاك الحق بالتباهي فقد تنامت في داخله حالة نفسية جعلته يخفي آلامه وأوجاعه بالفخر، فالحماسة عنده يرجحها الحالة النفسية التي نشأت فيه منذ الصغر.

الأساليب الفنية في الشعر الحماسي عند المتنبي

اشتملت الصورة الشعرية في شعر الحماسة عند المتنبي على مقومات لغوية وبلاغية هيأت للشعر الحماسي اكتماله، فالمقومات البلاغية في شعر المتنبي هي:
  • الإيجاز بلا خلل: فنجده يلجأ في شعره لما يعرف بـ (جوامع الكلم)، فيضع المعنى الكبير في اللفظ القصير.
  • الخيال الغريب: حيث عمد المتنبي في شعره إلى الإبحار في الخيالات المبالغ فيها والتي وصلت إلى الخيال الممقوت الذي أضاف للمعنى غرابته وميزه.
  • التشبيهات المبتكرة: حيث لجأ إلى الابتكار في تشبيهاته وخيالته فصور مشاهد كاملة من شعره بمشاهد أخرى، وهو ما يعرف في البلاغة بـ (التشبيه التمثيلي).
وأما خصائص اللفظ والمعنى فقد كانت المعاني تدور حول الدقة والعظمة في انتقاء المعاني والغموض والمبالغة في إطار لفظي قوي جزل فصيح غريب اللفظ مختصرة، دقيق العبارات منتقي أنسبها لمعانيها محيطًا لكل ذلك بعاطفة قوية.
وتميز شعر الحماسة عند المتنبي بإقحامه في كل أغراض شعره، فقد كان فتارة يبدأ مدحه بالحماسة، وتارة يتخلل هجائه، حتى أنه أدخله في كل شعره ولم يجعله غرضًا مستقلًا، وإنما سمة وأسلوب خاص بشخصيته الشاعرية يضفيها على كل أبياته وقصائده.
وإن أردنا أن نفصل الحديث في شعر الحماسة عند المتنبي ومبين ضراعته وفصاحة لسانه فلا يسعنا المقام إلى ذلك، إلا أننا في تلك السطور قد ابتغينا إلى توضيح الخطوط البارزة في شعره وأثر شخصيته عليها وقد كان.
وفي كلٍ فإن المتنبي هو من أبرز شخصيات العصر العباسي التي أثرت في العصور اللاحقة أيضًا وسطر بعلمه وشعره ونبوغ عربيته تاريخه بسطور بارزة لم ولن تمحوها عوامل الزمان ولا تغير المكان، فدرست أشعاره إلى يومنا هذا تحليلًا وفهمًا واقتداءًا.​



[latest-selected-content limit=”10″ display=”title,excerpt” titletag=”strong” url=”yes” linktext=”إقرأ الموضوع كاملا” image=”full” elements=”3″ type=”post” status=”publish” dtag=”yes” orderby=”dateD” show_extra=”taxpos_category_before-title”]

مقترح لك ...