أولو العزم من الرسل من هم وما صفاتهم
كتبت : تسنيم سعيد
{فَاصْبِرْ كما صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ}
[سورة الأحقاف 35]
خطاب جليل يوجهه رب العزة لخاتم رسله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فيأمره بالصبر ويواسي ضعفه وقلة حيلته وما يعانيه من أذى قومه وتصديهم له، ويوجه عيون صبره إلى الامتثال بصبر وعزم من سبقه من الرسل ممن وسمهم الله بوسام أولو العزم.
لكن هل الخطاب على سبيل الأمر بانتهاج نهجهم فقط، أم هو خطاب يفصح عن كونه صلى الله عليه وسلم أحد من سموا بأولوا العزم من الرسل؟ ومن هم أولو العزم من الرسل؟ وما هي قصصهم وفضائلهم؟
معنى أولو العزم ومن هم
خلق الله العباد فقسمهم إلى درجات على قدر طاعتهم لله والتزامهم بمنهاج الشريعة، فهيهات أن يكون لمسلم على أخيه فضل بجاه أو سلطة أو حسب أو نسب وغير ذلك، بل كان المعيار الوحيد لأفضلية العباد وتفاوت درجاتهم هي التقوى والثواب والجزاء.
فجعل الله أسمى الدرجات يرتقيها الأولياء والشهداء والصالحين، وجعل أعظم وأول الدرجات منذ بدأ الخليقة هي درجة النبوة.
لكن درجة النبوة في ذاتها تفاوتت وتفاضلت بعضها على بعض، فيقول تعالى
{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} سورة البقرة (253)
أي أن الرسل وإن منحوا جميعًا وسام النبوة والرسالة إلا أنهم فضل بعضهم على بعض.
ونجد من الرسل من فضل بمكانة سميت أولو العزم من الرسل ، ومعنى كلمة أولو هي أهل أو أصحاب، وكلمة العزم تعني القوة والثبات والصبر، والقدرة على تحمل المشاق.
سبب تسميتهم بأولو العزم
ماذا يرد في ذهنك إن وجهت إليك الخطاب قائلًا أيا صاحب العزم واصل مسيرتك؟ بالطبع هو معنى موحي ومعبر عن سمو مكانتك لتخطيك الصعاب وتذليلها، فلا عائق يقف أمام عزيمة وظفها صاحبها للوصول لمراده.
فهذا هو دأب تلك الرسل الذين وصفوا بأولوا العزم، هم المثابرين والأشد تحملًا للمشاق وتذليلًا للصعاب في سبيل نشر ما وكلوا به من الرسالة والدين.
فقد صبروا على أذى قومهم وتعنتهم، وتمسكوا بالصبر والعزيمة لعزمهم على إتمام مهمتهم بما ارتضاه الله منهم، لذا سموا بأولو العزم من.
من هم أولو العزم من الرسل
اختلف أهل العلم في تحديد عدد أولو العزم من الرسل، ولكن دعنا نتبع القول المشهور أنهم خمسة وهم:
- نوح عليه السلام.
- إبراهيم خليل الله عليه السلام.
- موسى كليم الله عليه السلام.
- عيسى عليه السلام.
- وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
ونورد لكل نبي منهم عليهم أفضل الصلاة والسلام سطورًا متواضعة تبرز كيف كان عزمه وصبره في سبيل نشر الدين وأداء رسالته.
نوح عليه السلام
أبو البشرية الثاني بعد آدم عليه السلام، أرسله الله إلى قومه برسالة سماوية منقذة لهم من الضلال والتيه، فما كان منهم إلا أن استهانوا به واستكبروا على سماعه بل وتمادوا بالسخرية.
ولم يزالو به حتى ينتهي عما جائهم به ولم يزل بهم حتى يذعنوا لدين الله، كانت غايتهم دنيئة وكانت غايته محفوفة بخوفة على قومة من عقاب الله وبطشه وعذابه.
وطال الحال ولم يزل يدعوا فيهم لله ويستلين قلوبهم للهداية لمدة تسعمائة وخمسين عامًا! ثم ما آمن معه إلا قليل.
وقد تميزت رسالته أنها شملت جميع من كان على زمانه، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى قصته وقصة دعوته لقومه في عدة مواضع من القرآن الكريم بل خصصت لها سورة كاملة أيضاً هي سورة نوح.
فقد كانت دعوته دروسًا وعبرًة لكل الأمم اللاحقة، بل مواساة ومثالاً للأنبياء والرسل من بعده.
يقول الله تعالى في قصة نبي الله نوح عليه السلام:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [سورة العنكبوت 14]
وقد دعاهم عليه السلام لهذه المدة الطويلة ولم يكل ولم يمل وقد نوّع في أساليب دعوته من دعوتهم في النهار إلى دعوتهم في الليل، ومن دعوتهم سراً إلى دعوتهم جهراً، ومن ترغيب ووعد إلى ترهيب ووعيد..
{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} [سورة نوح 5-6]
فكانت وهذه رسالة صبر ومواساة إلى كل متخذ طريقٍ للدعوة إلى الله والهداية وإن لم يرى المردود المرجو ألا تيأس، فهذه شكوى نوح عليه السلام وهو من أولي العزم من الرسل ولا يرى استجابة من قومه بل فراراً ومع ذلك لم يستسلم وأكمل دعوته.
وقد جاء الوعيد الإلهي خاتمًا ذاك العناد والتكبر والغلو في الضلال والغواية، فاستجاب الله لدعائه عليه السلام وأرسل سخطه على قوم نوح فأهلكم جميعًا، ونجاه الله عز وجل من الغرق ومن معه على السفينة،
{وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيم} [الأنبياء 76]
وجعل الله في ذريته الكتاب والنبوة
{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات 77].
إبراهيم عليه السلام
{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قلنا قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69)} سورة الأنبياء
ما قدر المواجهة والعناد والطغيان الذي كان من قوم إبراهيم له حتى ألقوه في النار حيًا! وكيف تحمل صلى الله عليه وسلم ذاك العناء من قومه حتى جعله الله من أولو العزم من الرسل بُعث إبراهيم عليه السلام إلى قومه ليدعوهم إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام والشرك، وتتعدد الفضائل التي منحها الله تعالى إلى نبيه إبراهيم عليه السلام ومنها:
- كُلف إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام ببناء بيت الله وتطهيره.
- اتخذ الله سبحانه وتعالى نبيه إبراهيم خليلاً، {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء 125].
- كرّم الله عز وجل إبراهيم عليه السلام وجعله أول من يكسى يوم القيامة.
- وصفه الله عز وجل بأنه إمام للناس والإمام هو الذي يؤتم ويقتدى به، {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة 124]
- ووصفه أيضاً بأنه قانت وحنيف.
موسى عليه السلام
بُعث موسى عليه السلام إلى فرعون الطاغية وقومه كي ينقذ بني إسرائيل من ظلم فرعون لهم ويدعوهم إلى الإسلام، وظل متخبطًا بين الخوف من البطش به وبين هرب من أرضه وترقب عودته، بل حتى خوف أمه من أن يصيبه بطش الفرعون فيقتل في مهده وأولى أيام حياته، ولكنه صبر واحتمل وطلب من ربه أن يمنن عليه ويشد أزره بأخيه، وقد كان.
وقد اختص الله تعالى نبيه موسى عليه السلام بمنح ومنها:
- اختص الله عز وجل موسى عليه السلام بتكليمه وفضله بهذا بين الأنبياء ولهذا اشتهر موسى عليه السلام بكليم الله، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء 164].
- اصطفاه الله عز وجل بالنبوة والرسالة، {قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف 144].
- منح الله تعالى نبيه موسى تسع آيات بينات كي يحاجج بها قوم فرعون.
- عظم قدر موسى عليه السلام عند ربه عز وجل، كيف لا وهو كليم الله، ويدل على هذا الحديث الشريف: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأصعق معهم فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش ، فلا أدرى كان فيمن صعق فأفاق قبلي ، أو كان فيمن استثنى الله؟”.
عيسى عليه السلام
فضائل عيسى عليه السلام كثيرة جداً ومنها:
- ولادته عليه السلام حيث تعد معجزة بذاتها، لأنه ولد بدون أب، {قالَت أَنّى يَكونُ لي غُلامٌ وَلَم يَمسَسني بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِيًّا} [مريم 20].
- منح الله تعالى عيسى عليه السلام القدرة على الكلام وهو طفل رضيع في المهد،
{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ} [المائدة 110]. - كما أيده الله تعالى بالعديد من الآيات من قدرته على إحياء الموتى بإذن الله، ويشفي الأبرص والأكمه بإذن الله، وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير فيكون طيرا بإذن الله، وهذا يستدل عليه بالآية:
{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} [المائدة 110]. - معجزة رفع الله تعالى لعيسى إلى السماء حيث هو حي لم يقتل، ويستدل على هذا بالآية {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء 157].
- اختص الله تعالى نبيه عيسى بأنه ينزل من السماء في آخر الزمان، ويستدل على هذا بالحديث الشريف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.”
محمد عليه الصلاة والسلام
هو خاتم الأنبياء والمرسلين الذي اختصه الله تعالى بالعديد من الفضائل ومنها:
- رعى الله تعالى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام من قبل بعثته بالنبوة، وذلك لقوله تعالى
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى 6-8]. - مدحه الله سبحانه وتعالى بمكارم الأخلاق حيث قال عز وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم 4].
- رفع الله تعالى ذكر محمد عليه الصلاة والسلام حيث أن ذكره قائم إلى يوم القيامة سواء عند ترديد الأذان أو الشهادة في الصلاة وغيرها من المواضع. قال تعالى {وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح 4].
- امتازت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بأنها شملت الخلق جميعهم من الثقلين: الإنس والجن.
- من أعظم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم هي الإسراء والمعراج حيث أكرمه الله بها تأييداً لدعوته وإظهاراً لعلو منزلته حيث أسري به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس راكباً على البراق.
- من الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بإمامة أنبيائه في بيت المقدس، في الحديث الشريف: “فحانت الصلاة، فأممتهم” رواه مسلم.
- حفظ الله تعالى القرآن الكريم إلى يوم الدين، وهو معجزة النبي عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر 9].
وفَضُل بذلك الخمس رسل عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام على غيرهم من الرسل و وسموا بوسم أولو العزم، فلكل نبي منهم قصة كفاح ومثابرة وتحمل في سبيل نشر دين الله ودعوة قومه
إنضم لكوكب المعرفة مجتمع التعلم الحديث