طفل المصباح | قصة قصيرة
تأليف : ندى شاكر محمد
سيدة شديدة الإيمان بالله عز وجل حامل بطفل
فإنها تشاهد حلمًا كل ليلة بأن طفلها يحمل مصباح مضيئ يتشعشع منه نورا قويا داخل مكان شديد الظلام ، كانت السيدة فى بادئ الأمر لا تبالى لهذا الحلم، وتتحدث مع نفسها قائلة “دا حلم زى أي حلم عادى”
ولكن كان حلمها يتكرر كل يوم، فتعجبت السيدة لماذا يتكرر هذا الحلم هكذا.
وذات يوم جاءت إحدى صديقاتها لزيارتها، فقامت السيدة تروى ماحدث معها قائلة ” أنا بحلم بالحلم دا كل يوم وفى الأول قولت عادى حلم زى أي حلم ولكن لما بقا يتكرر أستغربت قوليلى أعمل إيه”.
ردت عليها الصديقة نعم سأخبرك ماذا تفعلى قائلة لها ” فى قرية الجزيرة فيه شيخ إسمه الشيخ أسامة بيفسر الأحلام وكدا، واحده من زمايلنا راحت عنده روحى وإحكيله وشوفيه هيقولك إيه” فهزت السيدة برأسها وقالت “ماشي هبقا أروح عنده إن شاء الله”.
وبعد مرور عدة أيام ذهبت السيدة إلى قرية الجزيرة للإلتقاء بالشيخ، طارقة الباب” السلام عليكم فضيلة الشيخ” أجاب الشيخ أسامة ” وعليكم السلام إجلسي يا أم المعجزة “
فأندهشت السيدة من حديث الشيخ وقالت له “كيف علمت بأنى حامل بطفل وماذا تقصد بكلمة أم المعجزة”.
رد عليها قائلًا “أولا يا إبنتى كيف علمت؟! فأن الله كرمه واسع وقد كرمنى بهذه المعرفة ثانيًا يا إبنتى ماذا أقصد بكلمة أم المعجزة فليس أنتى فقط من تحلمى بهذا الحلم، فإذا كنتى أنتى تحلمين بأن طفلك يحمل مصباح منير كل ليلة، فأنا أحلم بأم الطفل الذي يحمل مصباح كل ليلة أيضًا”
أجابت السيدة كيف يا مولانا ؟
قام الشيخ أسامة بروى مايحصل معه بالتفصيل قائلًا ” يا إبنتى إنى أحلم بأن قوم يستغيثون بالله شدة الإغاثة وتأتى سيدة من بينهم حامل بطفل، وأن طفلها يحمل مصباحًا منير فى مكان مُظلم، وعندها أصبحت أدعو ربي ليلًا ونهاراً لرؤية الأم لكى تحكى لى تفاصيل بلدتها، وعندما أتيتِ لى كان يتخلل جبينك نفس النور الذي يحملة طفلك فهكذا أنعم الله عز وجل عليا أن أعرفك.
إحكيلى يا إبنتى كيف حال القرية الذي تسكنين فيها أنت؟
ومن هنا بدأت الحكاية فأجابت السيدة ” والله يا مولانا حال بلدتى يرثى لها، ينتابها المرض والجوع، فنحن كل يوم نسمع عن فقيد غالى، ونسمع عن أمراض لا نعلم كيف تكون هي وما علاجها، فنحن فى قرية لم يسمع أهلها عن التعليم بسبب الفقر الشديد،حتى أننا نتقاسم الأكل فى يوم ولا يوجد لليوم الذي يليه، فهناك كثير من قلوب الأمهات الحزينة على حال أطفالها.
وفى الفترة الأخيرة تفشي بيننا مرض لا نعرف أسبابه ولم نره من قبل ، حيث أنه يأتى لأحدنا فيجعله منهمكًا من شدة التعب حتى يذبل وتتوافه المنية فى نهاية الأمر، ولا نعلم ماذا نفعل سوى اللجوء لرب العباد “
أجابها الشيخ أسامة ” إن الله معكم يا إبنتى وإن الله يفعل مايريد لقوله تعالى ” لعل الله يُحدثُ بعد ذلك أمرا “، ولا تقلقوا فإن الله قال أيضًا ” وعسي أن تكرهو شيئًا وهو خيرًا لكم “
إذهبى يا إبنتى لبلدتكِ وأصبروا فإن الصبر مفتاح الفرج، ولكن عندما تنجبى طفلك بالسلامه دعيه يأتى إليَّ ليتلقى التعليم مجانًا، نظرًا لحال بلدتكم عفاها الله وحماها ”
ردت عليه السيدة حاضر يامولانا أستأذنك “السلام عليكم” أجاب الشيخ “وعليكم السلام”
وبعد مرور خمسة أشهر أنجبت السيدة طفلها وكانت ولادتها تسري بدون ألم أو تعب، وعندما نظروا إلى الطفل وجدوه شديد الجمال وجهه منير وتسكنه البراءة والهدوء، حيث كل من كان ينظر إلية يطمأن له، وأخذ الطفل يكبر يوم بعد يوم يلهو ويلعب ويحبه جميع من فى القرية.
ومع توالى الليالى صار الطفل فى عمر ال ٧ سنوات
أخذته أمه إلى الشيخ أسامه لكي يتلقى التعليم، كما حدثها الشيخ فى السابق.
وعندما وصلوا إلى منزل الشيخ أسامه طارقين الباب مرة أخري، ولكن فى هذة المرة الأم والطفل معًا قائلين “السلام عليكم” أجاب الشيخ أسامه ” وعليكم السلام أهلاً أهلاً كيف حال الصغير يااه لهذا الجمال بارك الله فيما أعطا ورزق “
أجابة الصغير بفطرتة ” الحمدلله أنا بخير ياعمو الشيخ “
تبسم مولانا من شدة إعجابة لهذا الصغير، وعندها طلب من السيدة بأن تتركه يتلقى التعليم عنده وإنه سيتكفل به من كل مايحتاجه من مأكل ومشرب ومسكن وملبس وتعليم ورعايه وما إلى ذلك.
وافقت السيدة وهي منكسرة على فراق طفلها ولكن كان يهمها مصلحته فوق كل شئ، فودعته قائلة ” مع السلامة ياصغيرى خليك مطيع لمولانا وإسمع الكلام ” وعيناها ممتلئة بالدموع، أجاب الصغير “حاضر يا أمى” فذهبت السيدة.
وبعد مرور عدة أيام من عودتها للقرية لاحظوا عدم ظهور الصغير فسألوها أين هو أجابتهم لقد ذهب لكى يتلقى تعليمه.
فحزنوا حزنًا شديداً لحبهم للصغير بالرغم من الألم والتعب الذي كان ينتابهم، وعلى الضفة الأخري يعيش الصغير فى رعاية الشيخ أسامة وهو فى أشد سعادته، بل وقد أخذه الشيخ وإنتقل به إلى المدينه لكى يتلقى أجود وأفضل قدر من التعلم، وظلوا الشيخ والصغير فى المدينة لأعوامٍ عدة، لذلك كان يزداد شوق الصغير لأمه وأصدقائه فى كل يوم يمر عليه.
وبعد العديد من السنوات وصل حال القرية إلى الذروة، حيث فقدت أكثر من نصف أهلها تقريبا، وتعبوا من البحث عن أحد يساعدهم وينجيهم من هذا البأس الشديد.
وفى يوم من الأيام سمعوا عن طبيب شاب يجلس مع رجل عجوز داخل كوخ صغير فى آخر القرية، هذا الطبيب يعالج بالأعشاب وكان يحب عمله بشده.
فلجأت القرية له إذ ربما يكون لهم منجيا بعد الله سبحانه وتعالى، وبالفعل عالج الطبيب الكثير من المرضي وأصبح حال القرية يتحسن يوم بعد يوم.
فرح أهل القرية فرحا شديدا بأن الله أستجاب لدعواتهم وأرسل هذا الطبيب وجعله سببًا، وفى ظل هذا الفرح العظيم لم تكن السيدة موجودة من بينهم.
حيث أنها ذهبت للقاء صغيرها فى القرية المجاورة وقلبها محمل بالشوق والحنين له، فأنها كانت تترد إليه من وقت لآخر ولكنها لم تجده أيضًا بل وفى كل مرة يقوم أحد أهل القرية بطعن قلبها بأن الصغير ذهب مع الشيخ أسامه منذ صغرة ولم نعلم عنه شيئًا أبدا.
وعادت السيدة إلى بلدتها وهى كالعادة حزينه منكسرة على فراق إبنها، وفى أثناء عودتها سمعت بهذا النبأ العظيم بأن حال بلدتها أصبح أفضل وبدأوا أهلها بالتعافى.
فذهبت لكى تلتقى بالطبيب المعالج، وعندما إلتقت به بدأت تتسائل كيف لهذا العظيم وبعد عدة أعوام ينجينا من هذا المرض اللعين، فسبحان من علم الإنسان هذا إنه ربي قادر على كل شئ، ولكن من أنت يا صغيري؟!.