Menu Close

عمرو بن العاص والفتح الإسلامي لمصر.. عبقرية ودهاء

عمرو بن العاص
عمرو بن العاص

عمرو بن العاص والفتح الإسلامي لمصر.. عبقرية ودهاء

كتبت: تسنيم سعيد

انضم لكوكب المعرفة   

عمرو بن العاص مضرب المثل في الفطنة، رجل العالم وداهية قريش وفارسها وعدوها باختلاف اللحظات، محرر مصر من مرد التيه والشرك وفاتحها.

ولن تسع تلك السطور المتواضعة أن توليه حقه وتسرد مناقبه، فما أعمال عمرو بن العاص وما أهم إنجازاته، وما هي مراحل حياته، وما مكانته عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال عنه ((أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص))، وكيف كان الفتح الاسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص .

من هو عمرو بن العاص 

من نسل كبار العرب ولد عمرو بن العاص رضي الله عنه، فأبوه كان سيد من سادات العرب في العصر الجاهلي وحاكم من مرموقي حكامهم.

أما أمه فقد جارت الحياة البدوية بمظلمتها عليها فأصابتها ما أصاب غيرها من رماح الجاهلية، فبيعت في أحد أسواق الرقيق وهو سوق عكاظ، وكان سيدها هو عبد الله بن جدعان، ثم وهبها لـ (العاص بن وائل)، فأنجبت الفارس عمرو بن العاص.

نشأة عمرو بن العاص 

ولد بن العاص ونشأ بين أم وأب وحياة تبني الرجال وتصنع القادة، وكانت نشأته بمكة بأحد بطونها الحضرية التي لم تنقطع عن الحياة البدوية.

وتوالى العهد حتى صنعت الأيام منه فارسًا مغوارًا داهية في الحروب يلاصق الحزم والفطنة حياته، لكننا ما زلنا نتحدث بعد عن عمرو بن العاص كأحد فرسان قريش، أي عمرو بن العاص في عهد الشرك.

ولم تتوانى قريش  في الاستعانة برأس حربتها ضد المسلمين ولم تتوانى شجاعته في الإفصاح عن نفسها، فخاض مع المشركين ما خاض من الحروب على أرض المعركة، وكذلك حروب الذكاء التي استخدم عمرو بن العاص فيها فطنته وحكمته حتى شاء الله أن ينقلب شركه إيمانًا.

إسلام عمرو ابن العاص

لما بدأ المسلمون في الدخول للإسلام تاركين ظلام الشرك كان من بينهم من هرب بإسلامه  فأرسلت قريش في طلبهم بعدما التجأو للنجاشي، وكان المبعوث في طلبهم هو عمرو ابن العاص لما عرفوا من فطنة عقله ورجاحته وحكمته.

إلا أن مشيئة الله خيبت آمالهم، وبدلًا من أن يعود لقريش بمن فر منهم مسلمًا فقد عاد هو بإسلامه ولكنه لم يصدع به وأسره في نفسه بعدما دعاه النجاشي إليه فبايعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم على شهادة أن لا إله إلا الله.

 وما لبث أن عاد قاصدًا محمد صلى الله عليه وسلم فلقيه صديق قصده خالد بن الوليد، وقد قصد النبي على نفس ما عاهد به عمرو بن العاص النجاشي، فدخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعاه مع آخرين من الصحابة، فاستبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم.

الفتح الاسلامي لمصر 

توالت الفتوحات الإسلامية داخلة أرضًا بعد أرض ومزيحة ستار الشرك من البلاد والعباد بادئة من عصر محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم توالت على يد خلفائه بدئًا من الصديق رضي الله عنه ثم عمرو بن الخطاب، والذي كانت فتح بلاد مصر في عهد خلافته.

وقد بدأت فكرة الفتح الاسلامي لمصر تتبلور في عين الفارس عمرو بن العاص بعدما حققت الفتوحات الإسلامية انتصارات عظيمة حتى أنهت سلطة الرومانيين من أرض فلسطين المكرمة، وقد وجد الروم انهزاماتهم تنهمر عليهم بأرض الشام فقصدوا الفرار منها إلى مصر، مما يعني أن عدو المسلمين الآن يتمركز أحد ضلوعه بمصر.

وبهروب الروم إلى مصر أصبح الفتح الإسلامي لمصر مطروحًا، فالمسلمون الآن في حاجة لتأمين ظهر فتوحاتهم من عدوهم الفار الذي يتحين فرصة استرداد ما سلب من أراضي تحت سطوته ومنها أراضي الشام، لذا فقد عرض عمرو بن العاص على الخليفة عمر بن الخطاب أن يملي عليه الأمر بفتح مصر والتقدم إليها بالعتاد والجيوش.

ورأى عمر بن الخطاب في الفتح الاسلامي لمصر مغامرة بالجيش الإسلامي الذي ما زال يقدم انتصاراته على الروم، حيث فتح مصر يستوجب توغل الجيش الإسلامي في أفريقيا، وعلل سيدنا عمر رفضه بأن إفريقيا بلاد متفرقة، فالخشية كل الخشية على الجيش الإسلامي أن يحاط به من عدوه.

إلا أن عمرو بن العاص قد لمعت الفكرة في عقله، فهو مصر على تحقيق النصر العظيم وفتح مصر، وما زال عمرو ابن العاص بعمر بن الخطاب يستقنعه ويسترضيه حتى أحلت له المعركة وأذن له عمر بن الخطاب في فتح مصر.

ولكن ما سبب إصرار عمرو بن العاص على الفتح الاسلامي لمصر؟ فما هذا التصميم الثابت إلا عن دوافع جوهرية لفتح مصر، فما هي دوافع عمرو بن العاص لفتح مصر؟

أولًا الدافع العسكري لـ الفتح الاسلامي لمصر
  • سبق أن ذكرنا أن الجيش الإسلامي قبيل فتح مصر قد حقق انتصاره على الروم أي البيزنطيين في أرض فلسطين والشام، فما فتحه الجيش الإسلامي من أراضي فلسطين ألحق الخسائر المادية والمعنوية بالبيزنطيين، أي أن الجيش البيزنطي الآن في مرحلة إرهاق وإجهاد نفسي ومادي بعد الهزيمة، مما يعني سهولة تحقيق النصر عليهم بضربات قاسمة تقضي على وجودهم في تلك المناطق.
  • أيضًا بعد فتح فلسطين صار لزامًا تأمين حدودها، فمن الطبيعي والمنطقي أن تعتبر مصر من الأهداف الهامة لتأمين الفتح الإسلامي، لأن مصر هي الامتداد الجنوبي الطبيعي لأراضي فلسطين، كما أن الفتوحات على أرض الشام استلزمت إتمامها بفتح مصر، لأن العدو البيزنطي قد بسط سيطرته على بلاد المغرب والشام ومصر، أي أن العدو هنا واحد في كل تلك الأراضي، فبانعدام الفتح الإسلامي لمصر يستمد العدو قوته ويتأهب لإعادة نفوذه على أراضي الشام المسلوبة، وهو ما حاول العدو البيزنطي فعلًا اتخاذه.
  • كما أن مصر الآن أصبحت ثغرة تهديد للفتح الإسلامي، لأن قائد بيت المقدس قد انسحب انسحاب المعاود، فتحرك متجهًا إلى مصر ليعيد تجهيز المقاومة للرد على الفتوحات الإسلامية بأراضي الشام واستعادتها، والفتح الاسلامي لمصر حينئذ ضرورة لحماية الفتوحات الإسلامية.
  • أضف إلى ذلك أن مصر مدفعًا قويًا لهجوم المسلمين واتخاذها قاعدة لاتساع الفتوحات الإسلامية، حيث مثلت مصر مدخلًا للفتح الإسلامي لبلاد الشام الشمالية التي تقع على البحر المتوسط، والتي تشكل أيضًا خطرًا يهدد الفتوحات الإسلامية، وإخضاع مصر للجيش الإسلامي يمكنه من استخدامها بثغورها وسفنها كطريق لفتح تلك البلاد.
  • شكلت مصر أيضًا ثغرة تهديد لدار الخلافة في السعودية، فمن السهل أن تتخذها السلطة البيزنطية منطلقًا لأرض الحجاز عن طريق البحر الأحمر وتتسلل قواتها من ميناء جدة لدار الخلافة، فتكون ضربة قاصمة للمسلمين.
  • معرفة عمرو بن العاص عن مصر معرفة تامة، فهو على تقصي ودراسة لحالها، وهو يعلم سهولة الفتح الاسلامي لمصر في ذاك الوقت لخبرته بقلة التحصينات لها، كما يساعده في الفتح لمصر العديد من الجند اليمني، وهم ذو خبرة متسعة في حصار الحصون الساحلية وقتالهم، بل وأكثر دراية ببناء الدولة بعد الانتصار عليها، وأكثر تفهمًا وفهمًا لشؤون مصر وإدارتها.
ثانيًا: الدافع الديني لـ الفتح الاسلامي لمصر

الصحابة على دراية بما خلقوا من أجله وغاية الإسلام، ألا وهي رفع راية لا إله إلا الله في البلاد، وتبليغ الدعوة ونشرها وغزوها العالم وإبراء الذمة أمام الله وفي حق رسوله، مما يجعل تقدم المسلمين لأرض المعركة ضد البيزنطين بمصر أمر واجب لوقوفهم دون نشر الإسلامي المنافي لهويتهم وعقائدهم وهيمنتهم.

ثالثًا: الدافع الاقتصادي السياسي
  • كانت مصر تحت الحكم البيزنطي بمثابة مخزن للطعام، بالإضافة إلى فرض البيزنطيين الضرائب الباهظة على الشعب، مما يعني أن الفتح الاسلامي لمصر يشكل نقلة اقتصادية وانتعاش لموارد المسلمين لما فيها من ثراء الموارد والغلال والأموال.
  • اضطهاد البيزنطين المسلمين في عقيدتهم، مما يجعلهم ينظرون للإسلام بنظرة المنقذ لهم، لأن العداوة الدينية قد تأججت بين الشعب وحاكمه البيزنطي.

ومن منطلق تلك الدوافع كان إصرار عمرو بن العاص على الفتح الاسلامي لمصر إصرارًا مدروسًا محكمًا، وضرورة لا بد من تنفيذها، مما جعل عمر بن الخطاب يصدر الموافقة على فتح مصر ويأمر لابن العاص بتجهيز الجيوش، فالفرصة مواتية والخطة منظمة.

تخطيط عمرو بن العاص لفتح مصر 

 المؤمن كيس فطن، فلم يقم الإسلام قط على الإيمان وحسن الظن بالله فقط، بل بالإيمان والعلم، وما كانت الفتوحات الإسلامية لتتم إلا بتوفيق من الله مع الأخذ بالأسباب واستخدام العقل الذي لم يمنحه الله للمسلم لينفيه والاستناد على الخبرات والعلوم.

وقد اشتهر بن العاص بالفطنة، وهو ما بدا جليًا في تكتيكه الحربي ورسم خطته للفتح الاسلامي لمصر التي كانت محط نظره لتكون نصرًا لدين الله.

وشتان بين قائد يستخدم العدة والعتاد والأجناد والسلاح فقط لينتصر في حربه، وبين قائد يضع نصب عينيه دراسة كاملة لحال عدوه وعتاده بل ويوازن بين الحالة النفسية المسيطرة عليه.

وهو ما سار على خطاه بن العاص، فقد نقب وتتبع أحوال العدو النفسية والمادية بل والحال الاجتماعي والديني لمصر، وتوصل إلى العديد من الثغرات التي أفصحت له عن كون الفرصة مواتية لتنفيذ الفتح الإسلامي لمصر، وهي كالآتي: 

  • الحالة الاجتماعية: فقد كانت مصر آنذاك تحت سطوة الروم واحتلالهم، وقد جعلوا مصر لهم بمثابة مخزن لمد إمبراطورية الرومان بالمؤونة والطعام.

وعلى الرغم من أن الرومان تركوا بعض رموز الحكم المصري في مناصبهم فإن ذلك لم يغير شيئًا، حيث جعلوها مناصب صورية لا تغني ولا تسمن من جوع المصري ولا تصيبه بنفع ولا تسد حاجاته، وإنما كانت مسكنًا لثوران المصريين، بل غالو أيضًا في رفع الضرائب.

 

يعني أن مصر كحكام ومحكومين لم تكن متحدة متفقة بل كانت متنافرة متشاقة، فالحكام يبالغون في السطوة والقسوة على الشعب، وبالطبع فإن الشعب لن يؤازر حاكمه الغاشم، مما جعل خطوة الفتح الإسلامي لمصر خطوة ميسرة لما عانته مصر من حالة الانفصام بين الحاكم والمحكوم.

 

كما أن حالة الروم من التيه وضياع ملكهم وتضاءل قوتهم تعني التخلص من أحد أخصام المعركة، فالرومان آنذاك صريعي نكباتهم التي تجعلهم عاجزين عن التصدي للفتح الإسلامي.

 

  • الحالة الدينية: كانت مصر حينئذٍ هي مصر القبطية التي يدين أهلها بالنصرانية، ولكن الواقع خالف الحقيقة، فقد عانى المصريون أشد العناء للتمسك بعقائدهم لما لاقوه من سيطرة الروم وقسوتهم، ولاقى الأقباط أشد الاضطهاد الديني وسفك الدماء حتى لقب عصرهم بعصر الشهداء.

 مما يجعل الحال بين المصريين وحكامهم تتلخص في مظهر عدائي قاسية غاشم، وأيضًا جعل موقف الأقباط من الفتح الإسلامي لمصر مميز ومساهم في الفتح، فكانت فكرة الفتح الإسلامي لمصر واضطهاد الأقباط متقاطعتان إن وجد أحدهما امتنع الآخر.

 

  • الموقع الجغرافي: وأخيرًا فإن عمرو ابن العاص على علم بقيمة ومكانة مصر الجغرافية وتاريخها الحضاري، ومدى أهميتها للإسلام، فهي ستصبح بمثابة القلب للعالم الإسلامي.

ودراسة بن العاص لكل تلك الجوانب النفسية والاجتماعية للشعب المصري وحاكمه مكنته من الوقوف على ثغرات العدو وتحديد أنسب طرق الهجوم والإمكانيات التي يحتاج إليها لنجاح الفتح الإسلامي لمصر.

فتح مصر في عهد عمر بن الخطاب 

ها قد وافق الخليفة عمر بن الخطاب على الفتح الاسلامي لمصر وبعث فيه القائد عمرو بن العاص واعتمد خطته في الفتح ليبدأ تجهيز الجيش الإسلامي.

وتحرك الجيش الإسلامي من بلاد الشام متجهًا إلى مصر وهو يومئذٍ عدته ثلاث آلاف مقاتل أكثرهم من الفرسان، لكن عدد الجنود الذين وصلو فعليًا لأرض المعركة لم يكونوا ثلاثة آلاف، بل زاد عددهم حتى بلغ أربعة آلاف.

 فقد مر بن العاص بجيشه متجها لفتح مصر من قيسارية (إحدى  المدن الفلسطينية حاليًا) ثم تخطى جبل الحلال (في شمال سيناء)، وهو على قرابة من العريش، وحين بلغه انضم لجنده مقاتلين من قبيلتي لخم وراشدة، ليصبح جنده ألف ومائة وستون مقاتلًا من قبيلة غافق، وألفين وثلاثمائة وأربعون جنديًا من قبيلة عك، وخمسمائة مقاتل من راشدة ولخم.

 وقد كان الفتح الاسلامي لمصر من العريش في اليوم العاشر من ذي الحجة من العام التاسع عشر هجريًا، أي في يوم عيد النحر، والذي وافق يوم 29 من شهر نوفمبر لعام ستمائة وأربعون ميلاديًا، وما كان من عمرو بن العاص إلا أن أدى حق الله تعالى ونحر الذبيحة عنه وعن أصحابه ثم بدأت المعركة.

فقد وصل الخبر إلى سلطة مصر، فأمر المقوقس جيوشه بالتوجه للقاء جيش ابن العاص (والمقوقس هو لقب الحاكم في مصر آن ذلك وليس اسمه)، فتلاقيا في أول قتال عند الحدود الشرقية لمصر، وتحديدًا عند مدينة لقبت بالفرما (تقع بمدنية بورسعيد) والتي كانت من أقدم مدن الرباط المصرية وحصن مصر الشرقي في زمن الفراعنة.

وفتحها عمرو بن العاص في المنتصف من شهر يناير من نفس العام 640 ميلاديًا، لتكون بذلك أول خطوة في فتح مصر.

معركة عين شمس

بعد الانتصار على فتح الفرما استكمل جيش بن العاص الفتح الاسلامي لمصر ، فتقدم بجيوشه إلى مدينة تندونياس أم دنين (وقرية أم دنين حاليًا هي ميدان رمسيس)، لكنه حين ذلك رأى حاجته إلى المدد، فأرسل إلى الخليفة عمر بن الخطاب يطلب منه مددًا، فأرسل عمر بن الخطاب لعمر بن العاص 4000 مقاتل.

 وهنا استخدم بن العاص دهائه وفطنته الحربية، فقسم الجنود إلى ثلاثة فرق، ووزع الفرق الثلاث إلى فرقة بالقرب من تندونياس، وفرقة على مقربة من بابليون في الشمال، وفرقة عند بالقرب من مدينة عين شمس هليوبوليس، وهي ما عرفت بمدينة أون.

ولم يفطن العدو للحنكة الحربية لعمرو ابن العاص، ولم يضعوا نصب أعينهم سوى اتجاه واحد للعدو فاتجهوا إليه ثم بدأت المعركة في ناحية عين شمس ليجد العدو الجيش الإسلامي ينقض عليه من ورائه من جهة تندويناس فيقطع رجائه بالنصر وينهمر عليه لتسقط أيضًا مدينة تندونياس في يد المسلمين.

ويهرب العدو بعد هزيمة ساحقة لم ينج منها سوى ثلاثمائة فروا هربًا إلى حصن بابليون مغلقين أبوابه من ورائهم، مما يعني أن معركة المسلمين التالية في فتح مصر هي متجهة إلى حصن بابليون الحصين.

المسلمون أمام حصن بابليون

لما فر البيزنطيون من مدينة تندونياس إلى حصن بابليون أصبح الحصن هو وجهة جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص، وقد اتجهوا إليه مستكملين الفتح الاسلامي لمصر.

 وكان حصن بابليون من أقوى حصون مصر، ويقع على النيل وفي مقابله أيضًا من الضفة الأخرى التحصينات القوية المنيعة، وتقع على الجهة الجنوبية منه مدينة بابليون، وقد صمم بتصميم هندسي حربي قوي ليؤمن مصر حربيًا.

وصل المسلمون إلى الحصن ليجدوا الحصن محاطًا بخندقًا ذو أبواب، وبأفنية تلك الأبواب وضعوا العراقيل التي تعيق عبور الفرسان والخيل من الحديد ليجد بن العاص العدة والعتاد من البيزنطيين وصلابة الحصن وقوته أمام عددٍ ليس بالكبير من الفرسان المسلمين.

وقد قسم عمرو بن العاص جيشه تقسيمًا يظهر لعدوه الكثرة المزيفة لرجال المسلمين، فعلم الروم بصنيع عمرو ابن العاص وأخبروه عن قلة عدد جنده ليتراجع، بل أخبروه عن كل رجل من جنده.

 وبدأت المناوشات بين جيش المسلمين والبيزنطيين والذي أحرز فيها المسلمون تفوقًا حربيًا على عدوهم من وراء حصنه، واشتد القتال واحتدت المعركة من وراء الأسوار فأرسل عمرو ابن العاص إلى الخليفة يخبره بطلب المدد، وقد تأخر نصر المسلمين لقوة حصن العدو.

وصل عمر بن الخطاب خطاب بن العاص بطلب المدد، فأرسل إليه مددًا للمرة الثانية في الفتح الاسلامي لمصر، وكان عدد الجنود المرسلة أربعة آلاف جندي، وبعث عمر إلى بن العاص يخبره بأنهم أربعة ألف رجل على كل ألف رجل منهم رجلًا بألف رجل، وهم ( الزبير بن العوام، عبادة بن الصامت، المقداد بن عمرو، واختلف في الرابع منهم إلى عدة أقوال)، كما أعقب عمر بن الخطاب خطابه موجهًا إلى بن العاص قائلًا ((اعلم  أن معك اثني عشر ألفًا، ولا يغلب اثنا عشر ألفًا من قلة)).

طال الأمد والمسلمون على أبواب الحصن ستة أشهر لم يظفروا بعد بالنصر، وقيل أيضًا سبعة أشهر، وأدرك البيزنطيون أن المسلمون لن ينقطع رجائهم من الفتح وإن تأخر النصر، فبعثوا من رجالهم من يخاطب ابن العاص ويعرض عليه اتفاقًا ينهي الحرب مقابل مالًا يدفعه البيزنطيون مع رحيل الجيش الإسلامي، فلما رفض المسلمين  بعث  المقوقس إلى عمرو بن العاص رسلًا تسمع في طلب المسلمين، فما كان من ابن العاص إلا أن أجاب الرسل بأنه لا سبيل لهم إلا بأمر من ثلاث:

  • الدخول في الإسلام، فتنقضي العداوة وتتبدل أخوة وتنتهي الحرب ووتتبدل لوجوةب حماية المسلم لأخيه.
  • دفع الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.
  • الحرب حتى النصر لأحد الفريقين.

ولما رجعت الرسل وعلم منهم المقوقس قوة عزم المسلمين وثباتهم ويقينهم بالله فقد أدرك أنه لا بد من قبول شرط الجزية، فعرضه على قومه ولكنهم أبوا إلا القتال.

وهنا أظهر الزبير بن العوام شجاعته، فصنع المسلمون سلمًا في أيام وأشار إليهم أن سيصعد إلى الحصن، فإن رأوا تكبيره من أعلى الحصن فليهموا لإجابته، ولم تتيقظ أعين الروم داخل الحصن إلا والزبير مكبرًا مع من معه من رجاله الذين ظلوا يتوافدون متسلقين من ورائه صعودًا على السلم حتى خشي الزبير انكساره فنهاهم عن الصعود.

 ولم يكن البيزنطيون على توقع لذاك المشهد وتلك الخطة وهم المحصنون شهورًا أمام انقطاع نصر المسلمين على الحصن، فحين صدموا  بولوج جيش المسلمين أمامهم فروا من وجههم ففتح الزبير باب الحصن وولجه جيش المسلمين المتحين لحظة الهجوم، فكان فتح حصن بابليون بعد انتظار دام شهورًا.

فتح الإسكندرية

لما ظفر المسلمون بالنصر وفتحوا حصن بابليون أرسل عمرو  بن العاص إلى الخليفة في دار الخلافة يطلب منه الأمر باستكمال الفتح الاسلامي لمصر متجهًا لفتح الإسكندرية، فأمره عمر بن الخطاب بالفتح.

وهنا كان على بن العاص أن يؤمن ما فتحه من مصر، فترك عليهم من شاء تركه من الرجال، ثم انطلق في جيشه قاصدًا فتح الإسكندرية وهي حينئذٍ عاصمة مصر بتاريخ حافل.

 ولكن فتح الإسلامي للإسكندرية صاحبه صعوبة جديدة تقابلها مساهمة كبيرة، فبعد أن دخل المسلمون مصر وفتحوا من أراضيها اعتبرهم الأقباط خلاًصًا لهم من اضهاد الأقباط وظلمهم، مما جعل الأقباط يساندون المسلمين في إكمال الفتح ويدونهم بحاجاتهم.

 ولكن الرومان أيضًا أرسلت في طلب المدد واستجمعت قوتها وعتادهم.

وتدل الروايات على أن فتح الإسكندرية استمر ثلاثة أشهر، وقد سبقه المناوشات التي وقعت بين المسلمين ومن والاهم من الأقباط وبين الرومان قبل وصول المسلمين للإسكندرية.

  • حيث فتح المسلمون حصن بابليون في الجمعة 29 من شهر ذي الحجة من عام 20 هجريًا، والموافق 7 من شهر ديسمبر من عام 641 ميلاديًا إلى الإسكندرية  على قول خليفة الخياط.
  • ووصلوا من حصن بابليون إلى مدينة الإسكندرية في 19 من جمادي الآخر من عام 21 هجريًا، والموافق 23 من شهر مايو في عام 642.
  • وفتحو الاسكندرية في 19 من شهر رمضان عام 21 هجريًا، والموافق 19 من شهر أغسطس.

فبعدما فر الرومان إلى الإسكندرية وتبعهم عمرو ابن العاص لاستكمال الفتح الاسلامي لمصر حتى وصل إلى الإسكندرية درس وضعها الحربي والميداني، فتبين له مدى صعوبة الاقتحام لعدة أسباب كالآتي:

  • هي مدينة شديدة التحصين بما أحاط بها من أبراج وأسوار وأبواب ومجانيق.
  • بالإضافة إلى أنه في مواجهة عدد خمسين ألف جنديًا بيزنطيًا أرسلوا مددًا للرومان.
  • جغرافيًا موقعها على درجة عالية من التحصين، إذ يحيط بها من الشمال البحر، وهو ما يصعب الدخول من خلاله لسيطرة الأسطول البيزنطي عليه، ومن الجنوب يحدها قريوط، وليست من الهين اجتيازها، كما يصعب الوثوب من الغرب لوجود ترعة الثعبان.

 فأدرك بن العاص أن السبيل الوحيد هو الدخول من جهة الشرق من كريون، ورغم صعوبة ذلك أيضًا وقوة التحصين إلا أن عمرو ابن العاص وضع خطته الحربية الرصينة وعزم الأمر ولم ييأس.

ولكنه جهز الحرب النفسية أولًا، فقد لعب على عامل إثارة اليأس والضعف في نفس العدو لتخور قواه النفسية فيؤثر بالسلب على قوة الجند، فبدأ الحصار على مدينة الاسكندرية وأحاط بهم وشدد حصاره حتى ضاقت عليهم أنفسهم وملوا الحصار واستثقلوه، فعزموا الأمر على الخروج للجيش المسلمين ولقائهم للخلاص من ضيق الحصار، خاصة وأن حصار عمرو بن العاص ضيع عليهم شتى فرص المدد من الخارج.

كما بث في قلوبهم الرعب والخوف بإثارة الغارات على قرى الساحل وقرى الدلتا والتي إن سيطر عليها المسلمون انقطعت عن البيزنطيين الميرة، فأدرك العدو أنه قد أحيط به.

وفي تلك الأثناء التي تأخر فيها النصر على المسلمين في حين ينتظر الخليفة عمر بن الخطاب خبر الفتح متلهفًا ومستعجلًا خبر سقوط الإسكندرية راضخة للإسلام استبطأ الفتح وخشى أن يكون الجيش الإسلامي في مصر قد استلذ نعيمها وخيراتها فاختار التخاذل، فأرسل لعمرو بن العاص خطابًا نصه:

((أما بعد؛ فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر، إنكم تقاتلونهم منذ سنتين، وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم، وإن الله تبارك وتعالى لا ينصر قومًا إلا بصدق نياتهم، وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر وأعلمتك أن الرجل منهم مقام بألف رجل على ما كنت أعرف إلا أن يكونوا غيرهم ما غير غيرهم، فإن أتاك كتابي هذا فاخطب الناس وحضهم على قتال عدوهم ورغبهم في الصبر والنية، وقدم أولئك الأربعة في صدور الناس، ومر الناس جميعًا أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد، وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة، فإنها ساعة تنزل الرحمة ووقت الإجابة، وليعج الناس إلى الله ويسألوه النصر على عدوهم)).

ولما وصل خطاب الخليفة لعمرو بن العاص عد عدته للحرب وفتح الإسكندرية عنوة بعدما سافر المقوقس لمصر ومعه جنده حتى يسلم المدينة، ففتحها ابن العاص.

وعلى الرغم من كونه منتصرًا فاتحًا الإسكندرية عنوة  إلا أنه استجلب حب المصريين ومودتهم، فقد صنع عمرو ابن العاص هدنة مع المقوقس بعدما سلم له مدينة الإسكندرية وتتلخص شروطها في الآتي:

  • تنسحب القوات البيزنطية بأموالهم وأنفسهم ومتاعهم من الجهة البحرية، ومن أراد أن يرحل من البر فليدفع مالًا شهريًا حتى تغادر رحلته الأراضي المصرية، فإذا ما خرجت القوات البيزنطية دخلت جنود المسلمين.
  • ألا ترجع الروم إلى القتال ومحاولة استرداد الأرض.
  • بقاء عدد من الرهائن الرومانيين ويبلغ عددهم خمسون مدنيًا ومائة وخمسون جنديًأ لضمان تنفيذ الحفاظ على الجالية اليهودية.
  • أن يحترم المسلمون حرية العقائد الدينية لأبناء مدينة الاسكندرية وسكانها وألا يتعرض أحد للكنيسة بسوء أو تدخل في نظامها.
  • أن يدفع كل مواطن بأهل اسكندرية 2 دينار سنويًا.
  • أن يتفق على هدنة حتى إحد عشر شهرًا لا يتحرك فيها المسلمون من مواقعهم الأولى.

وبعد أن انتهى عمرو بن العاص من الفتح الاسلامي لمصر بدأ في تأمين حدودها وتخطيطها العمراني والزراعي وإرساء سبل الحياة ونشر الإسلام حتى استتب الفتح الإسلامي مكملًا أهدافه ومحققها بالأراضي المصرية، وسار بن العاص مستكملًا خططه في الفتوحات الإسلامية وإعمار بلاد المسلمين ونشر الدعوة حتى أزف الرحيل فتوفي بالفسطاط في أولى ليالي شهر شوال من عام 43 هجريًا والموافق عام 664 ميلاديًا، ودفن بالمقطم.  

أهم انجازات عمرو بن العاص 

دهاء عمرو بن العاص وفطنته هو ما جعل منه قائدًا عسكريًا حكيمًا، كما كانت شجاعته وكان حزمه لهما أعظم الأثر في تكوين فروسيته، وما أسداه بن العاص من فتوحاته وانتصاراته بجيوش المسلمين كثيرًا، ومن أبرز أعمال عمرو ابن العاص:

  • حروب الردة: كانت حروب الردة بمثابة أول اختبار امتحن الله به رجال عهد رسول الله وصحابته، فكان عمرو بن العاص خير حصن للإسلام وشن حربه على المرتدين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة الصديق أبي بكر، فأعادهم إلى فسحة الإسلام وظله.
  • الانتصار على الروم: في معركة اليرموك كان بن العاص قائدًا لميمنة جيش المسلمين، وكان لحكمته وذكائه الحربي أوضح الأثر في انتصار المسلمين وفتح أرض الشام لتدخل تحت راية الإسلام.
  • فتح فلسطين: فقد أرسل في فتح فلسطين وأبلى في ذلك بلاءً حسنًا فأدخل الفتح الإسلامي لمصر بأرضها دون أرض القدس التي لم يشأ الله له في تلك الآنية فتحها.
  • فتح بلاد ليبيا.
  • شرع في التفكير في فتح تونس والنوبة إلا أنه لم يتمم فكرته.
  • الفتح الاسلامي لمصر.



[latest-selected-content limit=”10″ display=”title,excerpt” titletag=”strong” url=”yes” linktext=”إقرأ الموضوع كاملا” image=”full” elements=”3″ type=”post” status=”publish” dtag=”yes” orderby=”dateD” show_extra=”taxpos_category_before-title”]​

مقترح لك ...