محمد صلاح والخوف من الإسلام
كيف ساهم صلاح في تراجع الكراهية اتجاه المسلمين ..؟
كتب : محمد عبدالخالق
محمد صلاح والخوف من الإسلام، هل تعتقد أن لصلاح دور في الحد من كراهية الإسلام والمسلمين في الدول الأوروبية وهل كان لتدينه وأخلاقه دور فعال في ذلك؟.
يستعرض المقال تجربة اللاعب المصري “محمد صلاح” نجم المنتخب المصري ولاعب ليفربول الإنجليزي بعد انضمامه للفريق، في الحد من الكراهية تجاه المسلمين والأقليات في المجتمع البريطاني.
وما هي الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى تراجع خطاب العنصرية اتجاه المسلمين ولماذا تعد تجربة محمد صلاح فريدة في خصوصيتها بالرغم من وجود نماذج أخرى في تلك المجتمعات ولكنها لم تحقق تلك النتائج ولم يكن لها دور ملحوظ في تراجع تلك الظاهرة بخلاف محمد صلاح .
ما هي أسباب انتشار الإسلاموفوبيا في المجتمع البريطاني ؟
تشير عدد من الدراسات أن المجتمع البريطاني كان مهيأ قبل قدوم محمد صلاح للخوف من الإسلام والتحيز ضد المسلمين وقد لعبت وسائل الإعلام البريطانية أيضًا دورًا في إدامة الخوف من المسلمين والإسلام.
وجدت دراسة لوسائل الإعلام المطبوعة بين عامي 2000 و 2008 أن 36٪ من القصص عن المسلمين البريطانيين بشكل عام مرتبطة بالإرهاب، حيث تركزت 32٪ من جميع القصص عن المسلمين في عام 2008 على الاختلافات الدينية والثقافية بين الإسلام والقيم البريطانية.
ترافق ظهور الصور السلبية للمسلمين في وسائل الإعلام السائدة مع زيادة في التنمر الإلكتروني ضد المسلمين، المضايقات والتحريض الإلكتروني والتهديدات بالعنف حيث كانت المراقبة البريطانية للمسلمين في أعقاب الهجمات الإرهابية.
مدفوعة في جزء كبير منها بالخوف غير العقلاني من المسلمين، من خلال التعامل مع أي تهديد إرهابي باعتباره تهديدًا إسلاميًا، مما يجعل جميع المسلمين إرهابيين محتملين يحتاجون إلى المراقبة.
يتوافق الارتفاع المفاجئ في الخوف من الإسلام بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تُظهر البيانات المأخوذة من مسح القوى العاملة الصادر عن مكتب الإحصاء الوطني لعام 2014 أن احتمال توظيف الرجال المسلمين بنسبة تصل إلى 76٪ .
وأن احتمال توظيف النساء المسلمات أقل بست مرات من احتمالية توظيف نظرائهم البيض غير المسلمين. كما خلص تقرير حكومي إلى أنه من المحتمل أن يمتد التمييز إلى ما وراء سوق العمل.
هل تراجعت كراهية الإسلام في المجتمع البريطاني ؟
ما علاقة محمد صلاح والخوف من الإسلام؟، يمكن أن نستدل على إجابة هذا التساؤل من خلال التعرف على استبيانات الرأي العام وتغريدات المشجعين عبر موقع تويتر ووسائل التواصل الاجتماعي حيث تبين في الفترة السابقة والتالية بعد انضمام صلاح إلى نادي ليفربول، ما يلي:
- شهدت جرائم الكراهية انخفاضا في مقاطعة ميرسيسايد موطن نادي ليفربول بالنسبة لمعدلاتها المتوقعة إذا لم ينضم إلى نادي ليفربول، على الرغم من أن جرائم الكراهية ضارة للغاية وتترتب عليها أحداث خطيرة، إلا انها لا تعطي مؤشرات أو معلومات واضحة عن كيفية تأثير توقيع صلاح على الأشكال اليومية للسلوك المعادي للمسلمين بين التيار الرئيسي في نادي ليفربول لكرة القدم.
- أن مشجعي النادي والمعجبين بأداء صلاح، انخرطوا في سلوك أقل تحيزًا اعتبارًا من يوليو 2017 فصاعدًا مقارنة بنظرائهم في أي مكان آخر في البلاد. كشفت تجربة الاستطلاع أن تعزيز الصلة بين تلك السلوكيات والإسلام كان له التأثير الأقوى على المواقف تجاه الإسلام في بريطانيا، وهو من ضمن الاسئلة الرئيسية في الاستبيان حول هويته، ونتيجة لذلك قد تمتد مشاعر المشجعين الإيجابية تجاه صلاح إلى الإسلام بشكل عام.
- سجلت أرقام الشرطة، قبل قدوم صلاح إلى ملعب آنفيلد، أعلى معدلات جرائم الكراهية ضد المساجد في البلاد، وجاء ميرسيسايد موطن نادي ليفربول في المركز الثالث بعد لندن ومانشستر ولكن بعد انتقال صلاح إلى النادي شهدت مقاطعة ميرسيسايد تراجعًا في جرائم الكراهية بنحو 18.9%، ، بينما لم ترصد أي نتائج مشابهة لجرائم من نوع آخر.
- أظهرت النتائج أن الانخفاض في جرائم الكراهية أكبر من التغييرات التي لوحظت بالنسبة لمعظم أنواع الجرائم الأخرى، وان جرائم الكراهية شهدت انخفاضًا بنسبة 16٪ ، لم تشهد أي فئة جريمة أخرى مثل هذا الانخفاض النسبي الكبير، وبالتالي انخفض معدل جرائم الكراهية بعد توقيع صلاح لا يبدو أنه يُعزى إلى انخفاض عام في الجرائم في ميرسيسايد بشكل عام، مما يدعم الفرضية القائلة بأن وصول صلاح إلى نادي ليفربول تسبب في انخفاض في أعمال التعصب المتطرفة.
- كانت جرائم الكراهية في ميرسيسايد أقل بعد توقيع صلاح مما كان متوقع نظرًا لاتجاهات جرائم الكراهية السابقة واتجاهات سلطات الشرطة الأخرى بعد توقيع صلاح، وقد انخفض معدل التغريدات المعادية للمسلمين بين جماهير ليفربول بنحو 53.2%، فقد تراجعت من 7.2% لتصل إلى 3.4%.
اقرأ أيضا:- كلية الدراسات الإسلامية والعربية – الأقسام ومجالات العمل
ما هي الشروط الواجب توافرها للحد من ظاهرة الإسلاموفوبيا ؟
لقد شهدت أوروبا العديد من اللاعبين ذوي الكفاءة العالية ويتمتعون بمهارات موازية لما يتمتع به محمد صلاح ولديهم هوية إسلامية ولكن معظمهم منفصلون عن الإسلام في أذهان المعجبين.
بسبب أنهم يفتقرون إلى السلوك و المظاهر المعبرة عن هويتهم على النقيض من ذلك، تشير هتافات المشجعين إلى المساجد والمسلمين، كما أشار مدرب ليفربول، يورغن كلوب، أيضًا إلى تدين صلاح كجزء لا يتجزأ من هويته، لأن صلاح مرتبط بشكل واضح بالإسلام والمسلمين عمومًا.
يكون الحد من التحيز أكثر احتمالًا عندما يتم التفاعل مع الجماهير بشكل إيجابي وهو شرط ضروري لتقوية التواصل مع تلك الجماهير حيث نجد أنه في حالات أخرى كثيرة مشابهة كانت العنصرية من جانب تلك الجماهير.
على سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية وفي اليونان ولكن تجربة محمد صلاح مختلفة فهو أحد أفضل لاعبي كرة القدم في العالم، كما أنه شخصية مقبولة في المجتمع البريطاني ويتمتع بكاريزما وتأثير بين مشجعي النادي، وتم تصنيفه ضمن أكثر مائة شخصية تأثيرا في العالم وفقا لمجلة التايم.
كيف ساهم محمد صلاح في تراجع كراهية الإسلام في بريطانيا ؟
توضح نتائج الإحصاءات والاستبيانات إلى تراجع ملحوظ لتلك الظاهرة في المجتمع البريطاني بشكل عام ومدينة ليفربول بشكل خاص.
في فترة ظهور محمد صلاح مع ليفربول وكيف تغيرت الصورة السلبية عن الإسلام قبل وبعد قدومه للنادي ويمكن إجمالا ذكر عدد من السلوكيات التي ساعدت على ذلك.
يعكس محمد صلاح صورة إيجابية عن الإسلام وتفاعله مع الجماهير كان بشكل إيجابي تماما وانعكس ذلك من خلال عدد من المظاهر التي حرص صلاح على وجوده بشكل دائم في الكشف المزيد من المعلومات عن المسلمين.
فضلًا عن المحتوى الذي يضعه اللاعب عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، يستطيع الجمهور الحصول على معلومات غنية عن اللاعب.
وتشير الدراسة على سبيل المثال أن الجمهور قد يتمكن من مشاهدة الشكل الذي تكون عليه صلاة المسلمين للمرة الأولى في حياتهم، عندما يسجل صلاح هدفا ويسجد في الملعب.
كما يستطيع الجمهور أن يتعرف عن المكان الأكثر قدسية لدى المسلمين حينما يطلع على اسم ابنته “مكة”، وعبر صورة قد ينشرها وهو يفطر في رمضان.
تصبح جماهير النادي الإنجليزي أكثر دراية بهذا الشهر، وكذلك الأمر مع زوجته المحجبة حينما تجوب برفقته أرجاء ملعب الأنفيلد، مثل تلك المعلومات التي تكشف عن نمط حياة الكثير من المسلمين.
تعتبر إيجابية بالنسبة للكثير من الجماهير، خاصة وأن اللاعب يجعل مشجعي ناديه يقتربون أكثر من معرفة الكيفية التي يمارس بها المسلمون دينهم.
اقرأ أيضا: تعرف على مكانة المسجد الحرام في الإسلام
كما تتصدى شخصية صلاح للصور النمطية عن المسلمين، على عكس الصور النمطية السلبية للمسلمين على أنهم جامدون وعنيفون.
يُنظر إلى صلاح على أنه صديق وأب وزميل، وغالبًا ما يُرى وهو يمزح مع زملائه في الفريق، ويظهر باستمرار يلعب ويداعب ابنته الصغيرة “مكه”، ويحترم خصومه والفرق التي لعب لها سابقا.
فعلى سبيل المثال، يرفض الاحتفال بأهدافه ضد أنديتهم السابقة، كل تلك السلوكيات تجعل تجربة محمد صلاح مختلفة عن أقرانه من اللاعبين المسلمين في أوروبا من وجود تفاعل سلبي مع الجماهير.
ما يتمتع به محمد صلاح من كفاءة عالية وما حققه من إنجازات كبيرة على مستوى النادي والمنتخب والمستوى الفردي خلال عامين قصيرين، على مستوى النادي صعد إلى الدور النهائي في مايو 2018 لدوري أبطال أوروبا المسابقة الكروية الأشهر عالميا.
وحصل الفريق على المركز الثاني في الدوري الإنجليزي أقوى الدوريات الأوروبية، على المستوى الوطني قاد صلاح المنتخب المصري إلى نهائيات كأس العالم، وبالتالي فإن نجاح صلاح قد يؤدي إلى ارتباطات إيجابية مع المسلمين.
يمكن القول أن سلوك صلاح النمطي المضاد، والنجاح الاستثنائي ومساهمته في الوصول بالفريق إلى أعلى مستوياته منذ عقود، والهوية الإسلامية البارزة تشكل الأسس الدقيقة للحد من العنصرية تجاه المسلمين.
وختاما يمكن القول أن خطاب الكراهية اتجاه المسلمين وترديد الشعارات العنصرية قد تراجع بشكل كبير وملحوظ وهذا الأمر يعود في جزء كبير منه إلى الدور الذي لعبه محمد صلاح في ظل عدم تعمد صلاح نفسه العمل على ذلك.
وفقا لكثير من المحللين أنه لا يتبع نهجا علميا في ذلك بل هو يتصرف وفقا لطبيعته فقط ويحاول أن يتأقلم مع تلك الثقافة الغربية في نفس الوقت الذي يظهر متمايز عنها ومحافظ على هويته.
وهو ما اكسبه احترام الجميع حتى من كانوا لديهم رؤية سلبية عن المسلمين، حيث نجح في رسم صورة إيجابية عن الإسلام والمسلمين في المملكة المتحدة، وهو دفع بعض المسلمين هناك إلى التخلي عن الحذر وإعلان هويتهم الدينية.
خريج اقتصاد وعلوم سياسية ،باحث ماجستير علوم سياسية ، جامعة الاسكندرية – خبرة في العمل البحثي في مراكز بحثية وفكرية