Menu Close

صراع مع الجوع والعطش : رحلة البحث عن الحكمة من الصيام

ما هي الحكمة من الصيام .. وما هي أهدافه؟

كتب: سامح عبد الهادي

الحكمة من الصيام تظهور بوضوح في مشهدٌ مألوفٌ على مائدة إفطار رمضان: طفلٌ يمسك كأس الماء بلهفةٍ، يرتشفُ رشفاتٍ متتاليةً، وكأنّه لم يشرب الماءَ منذُ زمنٍ طويل.

سؤالٌ بريءٌ يطرحُهُ الطفلُ على أبيه: “لماذا نصوم؟”

يُحاولُ الأبُ إجابةَ ابنهِ ببساطة: “الصيامُ عبادةٌ للهِ، ونُثابُ عليها.”

لكنّ الطفلَ لا يقتنعُ: “ولكنْ، لماذا نمنعُ أنفسَنا من الطعامِ والشرابِ؟”

يُفكّرُ الأبُ مليّاً، ويُدركُ أنّ ابنَهُ محقٌّ في سؤالهِ.

في هذا الشهرِ المبارك، يُصبحُ السؤالُ عنْ حكمةِ الصيامِ مُلحّاً: ما الهدف من هذه العبادة التي تقيّدُ رغباتنا وتحد من حريتنا؟

هلْ هوَ مجردُ عقابٍ جسديٍّ؟

هلْ هوَ اختبارٌ لقوّةِ إرادتنا؟

أمْ أنّ هناكَ حكمةً أعمقَ منْ ذلكَ؟

الحكمة من الصيام
الحكمة من الصيام

في هذا المقال، سنغوصُ في رحلةِ البحثِ عنْ الحكمة من الصيام ، ونُفكّرُ فيْ دلالاتهِ الروحيّةِ والنفسيةِ والاجتماعيةِ.

سنُدركُ أنّ الصيامَ ليسَ مجردَ حرمانٍ منْ الطعامِ والشرابِ، بلْ هوَ رحلةٌ روحيةٌ تُقودُنا إلى تقوى اللهِ تعالى، وتُساعدُنا على تربيةِ أنفسِنا وتهذيبِها.

سنُدركُ أنّ الصيامَ مدرسةٌ للحياةِ، تُعلّمُنا الصبرَ والتحمّلَ والتعاطفَ معْ الفقراءِ والمحتاجين.

سنُدركُ أنّ الصيامَ فرصةٌ للتغييرِ والتجديدِ، وفرصةٌ للتقرّبِ منْ اللهِ تعالى ونيلِ رضاهُ.

فانضمّوا إلينا فيْ هذهِ الرحلةِ، ونُبحرْ فيْ بحرِ الحكمةِ والرّحمةِ.

إنضم لكوكب المعرفة  المكتبة الإسلامية 

فكرة خاطئة عن حكمة الصوم :

يعتقد البعض أن الصيام يهدف فقط إلى الشعور بجوع الفقراء، لكن هذه الفكرة خاطئة.

فالصيام عبادة روحية عميقة تهدف إلى تزكية النفس وتعزيز التقوى، كما ورد في القرآن الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)“.

يجب علينا تعليم أبنائنا حكمة الصيام وأهدافه السامية منذ صغرهم، حتى لا يصبح مجرد عبء ثقيل عليهم. ففهم الحكمة وراء أي عبادة يُسهل أدائها ويُعزز إيماننا بها.

 

تحقيق تقوى الله في الاستجابة لأمره والانقياد لشرعه:

يمثل الصيامُ جوهرَ العبادةِ للهِ تعالى، فهوَ ليسَ مجردَ حرمانٍ منْ الطعامِ والشرابِ، بلْ هوَ رحلةٌ روحيةٌ تُقودُ المؤمنَ إلى تقوى اللهِ تعالى.

والتقوى هي الخوفُ منْ اللهِ تعالى، والابتعادُ عنْ كلّ ما يُغضبُهُ، والحرصُ على طاعتهِ.

كيف يُحقّقُ الصيامُ التقوى؟

الاستجابة لأمر الله والإنقياد لشرعه:

الامتثالُ لأمرِ اللهِ تعالى بالصيامِ هوَ دليلٌ على تقوى المؤمنِ وخوفهِ منْ اللهِ تعالى. فالصيامُ فريضةٌ واجبةٌ على كلّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ، والامتثالُ لأمرِ اللهِ تعالى بهِ دليلٌ على إيمانِ المؤمنِ وتقواهُ.

الصيامُ ليسَ مجردَ حرمانٍ منْ الطعامِ والشرابِ، بلْ هوَ انقيادٌ لشرعِ اللهِ تعالى. فالصائمُ يمتنعُ عنْ كلّ ما حرّمهُ اللهُ تعالى خلالَ نهارِ رمضانَ، ممّا يدلّ على تقواهِ وانقيادهِ لشرعِ اللهِ تعالى.

الصيامُ هوَ عبادةٌ تُقرّبُ المؤمنَ منْ اللهِ تعالى. فالصائمُ يُخلصُ للهِ تعالى في عبادتِهِ، ممّا يُقوّي إيمانَهُ ويُعزّزُ تقواهُ.

الصيامُ يُساعدُ المؤمنَ على إعمالِ الجوارحِ في طاعةِ اللهِ تعالى. فالصائمُ يُحافظُ على لسانهِ وعينيهِ وسمعهِ، ويبتعدُ عنْ كلّ ما يُغضبُ اللهَ تعالى.

الصيامُ هوَ مجاهدةٌ للنفسِ وشهواتِها. فالصائمُ يُجاهدُ نفسَهُ عنْ الطعامِ والشرابِ واللذائذِ، ممّا يُقوّي إيمانَهُ ويُعزّزُ تقواهُ.

تعويد النفس على الصبر وتقوية الإرادة في التغلب على الشهوات:

الصبر هوَ مَلَكةٌ نفسيةٌ تُساعدُ الإنسانَ على تحمّلِ الشدائدِ والمشقّاتِ، والصبرُ على الشهواتِ هوَ أحدُ أهمّ أنواعِ الصبرِ.

والإرادة هيَ القوةُ الدافعةُ التي تُساعدُ الإنسانَ على تحقيقِ أهدافِهِ، وتقويةُ الإرادةِ تُساعدُ الإنسانَ على التغلّبِ على الشهواتِ.

كيف يُساعدُ الصيامُ على تعويدِ النفسِ على الصبرِ وتقويةِ الإرادةِ في التغلّبِ على الشهواتِ؟

الامتناعُ عنْ الطعامِ والشرابِ خلالَ نهارِ رمضانَ يُساعدُ على تعويدِ النفسِ على الصبرِ على الشهواتِ. فالصائمُ يُجاهدُ نفسَهُ عنْ رغباتِها، ممّا يُقوّي إيمانَهُ ويُعزّزُ صبرَهُ وإرادتَهُ.

كذلك تحمّلُ الجوعِ والعطشِ خلالَ الصيامِ يُساعدُ على تعويدِ النفسِ على تحمّلِ الشدائدِ والمشقّاتِ. فالصائمُ يتعلّمُ الصبرَ على الجوعِ والعطشِ، ممّا يُقوّي إيمانَهُ ويُعزّزُ صبرَهُ وإرادتَهُ.

وأيضا التخلّي عنْ الشهواتِ المباحة خلالَ الصيامِ يُدرّبُ المؤمنَ على التخلّي عنْ الشهواتِ المحرّمةِ.

فالصائمُ يتعلّمُ كيفَ يُتحكّمُ في رغباتِهِ، ممّا يُقوّي إيمانَهُ ويُعزّزُ صبرَهُ وإرادتَهُ.

وهنا يأتي دور الشعور بالفقراء .. فالشعورُ بالجوعِ والعطشِ خلالَ الصيامِ يُساعدُ المؤمنَ على الشعورِ بمعاناةِ الفقراءِ والمحتاجين. فالصائمُ يُدركُ قيمةَ النعمِ التي يُنعمُ اللهُ تعالى بها عليهِ، ممّا يُقوّي إيمانَهُ ويُعزّزُ صبرَهُ وإرادتَهُ.

تعويد النفس على الإحسان والشفقة على المحتاجين والفقراء:

الإحسان هوَ بذلُ الخيرِ للآخرينِ دونَ انتظارِ مقابلٍ، وهوَ منْ أعظمِ الأعمالِ التي يُحبّها اللهُ تعالى.

والشفقة هيَ الشعورُ بالرحمةِ والرأفةِ بالآخرينِ، وهيَ منْ صفاتِ المؤمنينَ الصالحينَ.

كيف يُساعدُ الصيامُ على تعويدِ النفسِ على الإحسانِ والشفقةِ على المحتاجينَ والفقراءِ؟

الشعورُ بالجوعِ والعطشِ خلالَ الصيامِ يُساعدُ المؤمنَ على الشعورِ بمعاناةِ الفقراءِ والمحتاجين. فالصائمُ يُدركُ قيمةَ النعمِ التي يُنعمُ اللهُ تعالى بها عليهِ، ممّا يدفعهُ إلى مساعدةِ الفقراءِ والمحتاجين.

وأيضا يساعد الصيامُ على تنميةِ مشاعرِ التعاطفِ معْ الفقراءِ والمحتاجين. فالصائمُ يُدركُ صعوبةَ العيشِ بدونِ طعامٍ أو شرابٍ، ممّا يدفعهُ إلى مساعدةِ منْ همْ في حاجةٍ إلى المساعدةِ.

تربيةُ النفسِ على العطاءِ أيضا .. فالصيامُ يُربّي النفسَ على العطاءِ والبذلِ للآخرين. فالصائمُ يُقدّمُ الصدقاتِ والزكاةَ للفقراءِ والمحتاجين، ممّا يُساعدُهُ على تعويدِ نفسِهِ على الإحسانِ والشفقةِ.

إن مساعدة الفقراءِ والمحتاجين تُشعرُ الإنسانَ بالسعادةِ والرضا. فالصائمُ عندما يُقدّمُ المساعدةَ للآخرينَ يشعرُ بالسعادةِ لكونِهِ قدْ أسعدَ إنساناً آخرَ.

تحقيق راحة الجسم وعافيته في الصيام:

الصيام هو عبادةٌ جليلةٌ لها فوائدُ جمةٌ على صحةِ الإنسانِ، فهوَ يُساعدُ على راحةِ الجسمِ وعافيتهِ بعدّةِ طرقٍ:

1. تنظيفُ الجسمِ منْ السمومِ:

يُساعدُ الصيامُ على تنظيفِ الجسمِ منْ السمومِ المتراكمةِ فيهِ، ممّا يُحسّنُ منْ وظائفِ الأعضاءِ ويُعزّزُ صحّةَ الإنسانِ.

2. إراحةُ الجهازِ الهضميّ:

يُتيحُ الصيامُ للجهازِ الهضميّ فرصةَ الراحةِ منْ عمليةِ الهضمِ لفتراتٍ طويلةٍ، ممّا يُساعدُ على تحسينِ وظائفهِ وعلاجِ بعضِ الاضطراباتِ الهضميةِ.

3. إنقاصُ الوزنِ:

يُمكنُ أنْ يُساعدَ الصيامُ على إنقاصِ الوزنِ الزائدِ، ممّا يُقلّلُ منْ خطرِ الإصابةِ بأمراضٍ عديدةٍ مثلْ أمراضِ القلبِ والسكريِ.

4. تحسينُ وظائفِ الدماغِ:

أظهرتْ بعضُ الدراساتِ أنّ الصيامَ يُمكنُ أنْ يُحسّنَ منْ وظائفِ الدماغِ ويُعزّزُ الذاكرةَ والتركيزَ.

5. تقويةُ جهازِ المناعةِ:

يُمكنُ أنْ يُساعدَ الصيامُ على تقويةِ جهازِ المناعةِ ومقاومةِ الأمراضِ.

6. تحسينُ الحالةِ المزاجيةِ:

يُمكنُ أنْ يُساعدَ الصيامُ على تحسينِ الحالةِ المزاجيةِ والشعورِ بالسعادةِ والرضاِ.

7. الشعورُ بالراحةِ النفسيةِ:

يُساعدُ الصيامُ على الشعورِ بالراحةِ النفسيةِ والهدوءِ الداخليّ.

الحكمة من الصيام
الحكمة من الصيام

أخيرا .. هذه نصائحُ للحفاظِ على راحةِ الجسمِ وعافيتهِ خلالَ الصيامِ:

  • شربُ كمياتٍ كافيةٍ منْ الماءِ بينَ الإفطارِ والسحورِ.
  • تناولُ طعامٍ صحيٍّ ومتوازنٍ خلالَ الإفطارِ والسحورِ.
  • تجنّبُ تناولِ الأطعمةِ الدسمةِ والمُقليةِ.
  • ممارسةُ الرياضةِ بانتظامٍ.
  • الحصولُ على قسطٍ كافٍ منْ النومِ.
  • تجنّبُ التعرضِ لأشعةِ الشمسِ المباشرةِ.
  • التخلّصِ منْ التوترِ والقلقِ.

وختاما : نجد أن الصيامُ هوَ عبادةٌ عظيمةٌ لها أهدافٌ ساميةٌ، أهمّها تحقيقُ التقوى في قلوبِ المؤمنين.

فالصيامُ يُساعدُ المؤمنَ على الامتثالِ لأمرِ اللهِ تعالى، والانقيادِ لشرعِهِ، وإعمالِ الجوارحِ في طاعةِ اللهِ تعالى، ومجاهدةِ النفسِ، والشعورِ بالفقراءِ، والتقرّبِ منْ اللهِ تعالى.

إنه رحلة روحية عميقة تُقودنا إلى تقوى الله تعالى، وتُساعدنا على تربية أنفسنا وتهذيبها.

ففي هذا الشهر المبارك، نتعلم التحكم في شهواتنا، ونُدرب أنفسنا على الصبر والصعاب، ونُقدم لله تعالى أسمى معاني الخضوع والاستسلام.

وكذلك فإن الصيامُ عبادةٌ نافعةٌ للصحةِ والجسمِ، ويُمكنُ أنْ يُساعدَ على تحقيقِ راحةِ الجسمِ وعافيتهِ.

كلّ عامٍ وأنتمْ بخيرٍ.


إقرأ أيضا: 

إنضم لكوكب المعرفة  المكتبة الإسلامية 

مقترح لك ...